الصوتية نفسها، بقى بعد ذلك أن نرى كيف يحدث الصوت الإنساني، أو ما اصطلحنا على تسميته "الحس".
إن الهواء الخارج من الرئتين، إما أن يجد الأوتار الصوتية مفتوحة فتحا تاما، بحيث لا تعترض طريقة، فيمر منها دون أن يحدث بها ذبذبة، أو احتكاكا، وإما أن يجدها متقاربة قربا يمكن الهواء من أن يحتك بها، دون أن يحدث بها ذبذبة، وإما أن يجدها قريبة جدا، بحيث لا يمر بها دون أن يحدث بها ذبذبة، والوتران الوصتيان في ذلك كالشفتين، يستيطع الإنسان أن يفتحهما في طريق الهواء الخارج من الفم، ويستطيع كذلك أن يقربهما للنفخ بهما، ويستطيع أن يقربها بدرجة أكبر، ليحدث بهما صوتا مسموعا.
أما الأوتار الصوتية، فإنها حين تتباعد مع مرور الهواء بينها، تسمح بحدوث ما يسمى بالتنفس العادي غير الصحوب باحتكاك الهواء بهذه الأوتار، فإذا تقاربت لدرجة تحتم احتكاك الهواء بها، حدث ما نسميه الهمس، وهي حالة تغاير تماما تلك التي اصطلحنا على أن نسميها حالة إنتاج الحس، التي لابد لها من وجود ذبذبة في الأوتار الصوتية.
بقي بعد ذلك أن نشرح هذه الحالة الأخيرة "حالة الحس". إن الذبذبة التي تحدث في الأوتار الصوتية، ليست كل شيء فيما يتعلق بإنتاج الحس، وكل ما ينتج عن هذه الذبذبة هو ما اصطلحنا على تسميته "الجرس"، أما كيف يتحول هذا الجرس إلى حس له درجة، وعلو وقيمة على نحو ما شرحناه سابقا، فذلك سيتوقف على عوامل مساعدة، يمكن تسميتها حجرات الرنين.
نحن نعلم أن وتر العود من غير جسم العود لا يؤدي نفس الغرض، الذي يؤديه وهو مركب على هذا الجسم، وأن الضرب عليه، وهو خارج العود سيؤدي إلى جرس قصير الأمد، قد لا يتجاوز الثانية، وآية ذلك أنك تستطيع أن تأخذ أحد أوتار العود، فتفصله ثم تحكم شده بين شيئين، ثم تضرب عليه بنفس الريشة المستعملة في العزف على العود، ولست أشك إن فعلت في أنك ستدرك الفرق بين حالتي الوتر، مشدودا على العود ومشدودا خارجه.