مقدمة الحاجة إلى منهج للغة:

اللغة أخطر الظواهر الاجتماعية الإنسانية على الإطلاق، وكل تقدم اجتماعي كتب له الكمال إنما تم لوجود اللغة، تصو طائفة من الناس مجتمعة على عمل معين، لا يتم إلا بالتعاون بين أفراد هذه الطائفة؛ فذا التعاون يقتضي توزيعا للعمل بحيث يكون لكل فرد دوره الخاص الذي يقوم به، وبحيث يكون بعض الأفراد موجها، ورئيسا وبعضهم موجها ومرءوسا، وبحيث يلزم أن يتم اتصال من نوع معين بين الرئيس، والمرءوس لصالح العمل، ثم ابحث في خيالك وسوف لا تجد وسيلة للاتصال أنجح في هذا الباب من اللغة، وخير مثال لذلك العمل القائم الآن في كهربة خزان أسوان، والانسجام المطلق في العمل بين عمال المصانع، والتنظيم الدقيق للجهاز الحكومي؛ فكل أولئك أمثلة تتجلى فيها أهمية اللغة، كوسيلة من وسائل الاجتماع، وكأداة من أدوات تنسيق الجهود الفردية، ومزجها في مجهود جمعي عام.

واللغة أخطر رابطة تاريخية، تربط بين الأجيال المختلفة من الشعب الواحد رباطا، يجعل وحدة هذه الأجيال حقيقة ملموسة على رغم اختلاف العصور، ذلك بأن اللغة وعاء التجارب الشعبية والعادات، والتقاليد والعقائد التي تتوارثها الجيال واحدا بعد الآخر، فصفة الاستمرار لكل هذا لا تأتي إلا عن طريق اللغة، تورث معها، وتبقى ببقاء ما يدل عليها من المفردات والتراكيب، وإحساس الخلف بجهة شركة لغوية بينه، وبين السلف كفيل بخلق إحساس بالوحدة الشعبية بينه وبينه.

منذا الذي يستطيع الآن في أي بلد عربي أن يقطع بعروبته الخالصة؟ وهل يستطيع الكثيرون أن يقطعوا بأنهم عرب في أنسابهم، ودمائهم؟ الواقع أن لبعض العرب الآن من العلم بتاريخ عائلته، ما يدعوه إلى الحزم بأنه غير عربي النسب، ولكنه مع ذلك يحس بعروبته، كما يحس صريح العروبة أو أكثر، لماذا؟ لأن العربية لسان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015