قلنا: إن التوافق الشكلي في السياق، وسيلة من وسائل ترابط الأبواب فيه، وإن هذا التوافق، إنما يتضح في جهات ثلاث: أولاها: النوع "أو التذكير والتأنيث"، وثانيتها: العدد "أو الإفراد والتثنية والجمع"، وثالثتها: الشخص "أو التكلم والحضور والغيبة"، ونريد الآن أن نتكلم عن كل من هذه الجهات على حدة.
1- النوع: ليس هناك صلة بين ما نسميه النوع في النحو، وبين ما نسميه الجنس في الطبيعة، وبعبارة أخرى، ليس هناك صلة بين التذكير والتأنيث في النحو، وبين الذكورة والأنوثة في الطبيعة، فالتذكير والتأنيث نواح تطريزية تقسيمية خلافية، للتفريق بين طائفتين من الكلمات من ناحية سلوكهما في السياق، ولكن الذكورة والأنوثة مفهومان من مفهومات الدراسات الطبيعية ينبنيان على التفريق بين وظائف الأعضاء، فالكلمة التي تدل على ذكورة عضوية قد تحرم التذكير النحوي، كحمزة، الذي تلحقه التاء في آخره. والفعل يؤنث جوازًا مع كل أنواع الجموع، حتى جمع المذكر السالم في رأي الكوفيين، ومع بعضها الذي يشمل جمع تكسير المذكر أيضًا، في رأي غيرهم1، فإذا أنث الفعل مع جمع المذكر، فمعنى ذلك أن هذا الجمع عومل معاملة المؤنث، وهذا إجراء يجوز نحوًا، ولا يجوز في الطبيعة.
وارتباط التذكير، والتأنيث النحوي، إنما يكون باعتبارات تختلف في لغة عنها في الأخرى، ففي اللغة الأنامية تقسيم للأسماء من هذه الناحية إلى تسعة أنواع، طبقا لتسعة أنواع من الأعضاء الجسمية؛ وتدخل كل كلمة في القسم الذي يناسبها، أما الأوردية فيها تفريق بين الصغير، وبين الكبير من هذه الناحية؛ فكلمة "دبا" معناها صندوق كبير، ودبي" للصندوق الصغير، ويذكرنا ذلك