الخاصة مع ما يساير ذلك من محاكاة التقسيمات اللغوية، التي جاء بها أرسطو في دراساته، والتي ذكرنا أنه خلط فيها بين النحو، وبين المنطق ويعلم القارئ، أن المقولات عشر هي الجوهر والكم والكيف والزمان، والمكان والإضافة والوضع والملك، والفاعلية والقابلية "أو كما تسميها المتون العربية: أن يفعل وأن ينفعل1".

ويعلم القارئ أيضا أن هذه المقولات عليا الأجناس؛ أي أن الأجناس فيما عداها أخص منها، وتندرج تحتها ولا يعلو على هذه المقولات جنس واحد منها، ثم هي كذلك أسس تفهم الأشياء مبنية عليها، فللشيء جوهر وكم وكيف، وهو في زمان ومكان، ثم هو يفهم بالإضافة إلى شيء آخر، ويدرك في وضع معين، وقد يكون مالكا، أو مملوكا وفاعلا أو قابلا.

نظر النحاة إلى اللغة نظرتهم إلى الأشياء والمحسوسات، فجعلوا للكلمة جوهرًا كما جعلوه للمادة، ورأوا أن جوهر الكلمة لا يتغير إلا بإعلال أو إبدال. فالأصل أو الجوهر في "قال" "قَوَل" وفي فعل الأمر من "وفي" "إوف" وفي كلمة "نهى" "نَهَيَ" وفي "قاض" قاضي إلخ. ويذهب النحاة في ذلك مذاهب لا تخلو من التعسف الظاهر؛ يقول ابن جني2 تحت عنوان "باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة، والتلطف لا بالإقدام والتعجرف": وذلك كأن يقول لك قائل: كيف تحيل لفظ وأيت إلى لفظ أويت، فطريقه أن تبني من "وأيت" فوعلا، فيصير بك التقدير فيه إلى "وَوْأَيُ" فتقلب اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فيصير "وَوْاْآ" ثم تقلب الأول همزة، لاجتماع الواوين في أول الكلمة، فيصير "أوأآ" ثم تخفف الهمزة فتحذفها، وتلقى حركتها على الواو قبلها، فيصير "أوا" اسما كان أو فعلا، فقد رأيت كيف استحال لفظ "وأى" إلى لفظ "أوا"، من غير تعجرف ولا تهكم على الحروف، وكذلك لو بنيت مثل فوعال لصرت إلى "ووأ آى"، ثم إلى "أو أى" ثم "أوآإ" ثم تخفف، فيصير إلى "أوآء"، فيشبه حينئذ لفظ "أآة" أو أويت....".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015