لعزة جديدة لا تقل روعة عن التاريخ العربي نفسه، ووجد أمامه طريقًا في المستقبل، معالمه ما في أيدي الأمم من علوم، ومعارف يمكن أن ترقى بمصر إلى مستوى هذه الأمم ذات العلوم والمعارف، ثم رأى أنه لو سلك الطريق الأول فحسب، لا نقطع به التاريخ عن الحياة، ولو سلك الثاني فحسب لانقطعت به الحياة عن التاريخ، ففضل أن يأخذ بنصيب من التراث العربي يوحى إليه بالاعتزاز، ونصيب من الثقافة المعاصرة يمنحه العزة.
إذًا فجيلنا الحاضر نهب بين الشرق والغرب، لا في الثقافة وحدها، وإنما هو كذلك في العادات وطرق المعيشة، وهذه النفس الموزعة بين الشرق، والغرب لا بد أن تكون نفسا قلقة غير ذات استقرار، حائرة تتطلب الهدى، وطموحة تتطلب وحدة الهدف ووضوحه، فإذا أضفنا إلى هذا العنصر من عناصر الحيرة والاضطراب، والقلق أن المقادير قد ألقت على كاهل جيلنا هذا، أخطر تبعة تلقى على الأجيال، ألا وهي تبعة البناء من الأنقاض، وتمهيد الطريق، ووضع معالمه للأجيال القادمة؛ تبين لنا مقدار خطورة هذا الجيل في التاريخ المصري الحديث.
ولست بحاجة إلى أن أنبه إلى أن هذا الجيل أهل للقيام بهذه التبعات، فلقد هدم نظاما كان ثابتا كالطود، وأقام مكانه نظاما أثبت، وأقوى وأصلح، وجيلنا هذا هو الذي هاجم الجدب في الصحراء، والفساد في المجتمع، والرشوة في الحكم، والكسل في العمل، والتسويف في الإصلاح، والبلادة في الضمائر، وسيصل بعون الله إلى نتيجة باهرة لكل هجمة من هذه الهجمات.
نحن إذا في تطور يجب أن يشمل كل مرافق حياتنا، من سياسية إلى علمية إلى اقتصادية إلى حربية إلى اجتماعية إلى غير ذلك، وواجب المصري من هذا الجيل ألا يقنع بما هو كائن، وأن يفكر تفكيرا مضنيا فيما يجب أن يكون، وهذا هو المعنى الذي حفزني إلى أن أحاول هذه المحاولة في تجديد مناهج البحث في اللغة بفروعها المختلفة، وهي محاولة أترك الحكم عليها للقارئ.
ولست أريد أن أنهي القول في هذا التقديم، دون أن أنبه إلى بضع ملاحظات هامة، أولاها اعتذاري عما في هذا الكتاب من أخطاء مطبعية لم آل رغبة في