جزء منه مستقلا عن الأجزاء الأخرى1، وهو يقول: إن الاسم لا يوصف بالصدق، أو الكذب إلا إذا أسند ويضرب لذلك مثلا بكلمة "وعل"، فهي لا توصف بأي الصفتين، إلا إذا أضيف إليها فعل، وواضح أن الصدق والكذب ليس من الدراسات اللغوية؛ وإنما هو من الدراسات المنطقية، فالنحوي يحلل العبارة الكاذبة، كما يحلل العبارة الصادقة، ولا يهمه منها إلا التحليل اللغوي، ولا يهم النحوي من قول الشاعر
يزيد جمال وجهك كل يوم
إن كانت هذه الشطرة صادقة أم كاذبة، وإنما يعنيه منها أن يحللها تحليلا لغويا لا أكثر ولا أقل، وتعريف الأداة في نظر أرسطو هو تعريف الاسم، إلا أنها حين يضاف إليها الفعل لا يدل معها على إسناد، والفعل ما كان الزمن من مدلولاته، ولا يدل جزء منه بمفرده، أما الجملة فهي الكلام المفيد الذي لبعض أجزائه معان مستقلة، باعتبارها ألفاظا لا اعتبارها أحكاما إيجابية"2، فالجملة في نظر أرسطو إذا حكم منطقي، ولكنها في نظر الدراسات اللغوية الحديثة ليست كذلك، ثم يتكلم عن التقرير والنفي لا باعتبارهما من الأبواب النحوية، وإنما ينظر إليهما نظره إلى قضايا المنطق، ويقول: "وكل قضية لا بد أن تحتوي فعلا أو تعبيرا عن معنى الزمن في الفعل"3، ويدخل بعد ذلك في الكلام عن القضايا مستغنيا به عن دراسة الجمل.
فالدراسات الإغريقية على سعتها، وعمقها لم تخلق للدراسات اللغوية منهجها الخاص، ولم تفكر في اللغة إلا في ظل المنطق والميتافيزيقا، يقول يسبرسن4 "أما بالنسبة للعقول المتأملة التي كانت لفلاسفة الإغريق، فإن المسألة التي بدت أشد ما تكون جاذبية كانت عامة وتجريدية: هل الكلمات تعبيرات طبيعية عن الأفكار التي تدل عليها، أو هي علامات عرفية اعتباطية على أفكار يمكن أن يدل عليها بأصوات أخرى، دلالة لا تقل شأنًا؟ وهذه ولا شك أفكار ميتافيزيقية مجردة، طرحتها الدراست اللغوية الحديثة لهذا؛ ولأن هذه المسألة لم تعد موضع نقاش في العصر الحديث؛ إذ هي من بديهيات الدراسات اللغوية.