بعض السمات الأساسية لظاهرة تقسيم العمل, والأسباب الاقتصادية التي تجعلها ظاهرة لا يمكن الاستغناء عنها.
"إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء, وغير موفية له بمادة حياته منه.. فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف. وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه"1.
حقيقة: إن ابن خلدون -بسبب ظروف البيئة التي عاش فيها- لم يكن دقيقا تماما في اعتباره أن القبيلة هي الشكل الأول من أشكال الجماعات البشرية وفاتته الأشكال المتعددة التي سبقت تشكيل القبيلة, ولكنه كان واعيا بمغزى تقسيم العمل كظاهرة متغيرة مرتبطة بالنواحي المادية للحياة الاجتماعية. فهو لم يعتبرها ظاهرة ساكنة بلا حراك, تتحكم فقط في الأشكال المبكرة من التنظيم الاجتماعي البشري, بل لاحظ أيضا تأثير تطور العوامل الاقتصادية على سمات هذه الظاهرة. أي: إنه كلما ارتفع مستوى المعيشة كلما زادت الحاجة إلى تقسيم العمل لمواجهة نمو الطلب, ليس فقط على الضروريات, وإنما أيضا على الكماليات؛ لإشباع التطلعات المتطورة.
"فإذا كثرت الأعمال كثرت قيمها بينهم, فكثرت مكاسبهم ضرورة، ودعتهم أحوال الرفه والغنى إلى الترف وحاجته من التأنق في المساكن والملابس، ...