فما زال هناك فجوات تنتظر من المجامع المقدسة أن تملأها بتلك الكلمات التي تلتقطها من شتيت الصفحات في الأناجيل والرسائل.
ففي سنة 431 م، أعلن نسطور بطريك القسطنطينية قوله: إن العذراء لم تلد متأنسا بل ولدت إنسانًا عاديًا ساذجا ثم حل فيه الإله بإرادته لا بالاتحاد فهو لهذا ذو طبيعتين وأقنومين. وقد انقسم المسيحيون إزاء هذا الرأي فكان بعضهم في جانب نسطور وكان البعض الآخر في الجانب المخالف له على حين وقف كثيرون موقف الحياد بين الحيرة والتردد. ومن أجل هذا دعا الملك تاودوس الصغير ملك القسطنطينية إلى عقد المجمع المقدس فحضره نحو مائتي أسقف وبعد مناقشات طويلة انتهى الرأي إلى القول بتجسد الكلمة واتحاد الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة. والذي يلفت النظر في مقررات هذا المؤتمر أنها لم تخرج مخرج المقررات التي صدرت في المجمعين السابقين حيث لم تكن في صورة دعوة إلى إيمان بحقيقة جديدة وإنما جعلت هذه المقررات مقدمة لقانون الإيمان. وكأن المؤتمرين قدروا الخطر الناجم عن تبدل صورة العقيدة وما يدخل في قلوب الناس وعقولهم من هذه الإضافات التي تحدث كلما حدثت أحداث وبرزت آراء فذلك من شأنه أن يجعل الناس يتهمون المقولات التي تلقى إليهم من جهة الدين ويتشككون في إضافتها إلى السماء حيث لا تبديل لكلمات
الله. نقول إن المؤتمرين قدروا هذا كله فلم يجعلوا لمقرراتهم شيئًا جديدًا يدخل في مجال العقيدة وإنما جعلوه مقدمة إلى العقيدة ومدخلًا إلى الإيمان. وقد حملت هذه المقدمة ثلاث مقولات عن العذراء والمسيح والثالوث وها هي ذي كما صدرت في المجمع:
تطويب العذراء: " نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة لأنك ولدت لنا مخلص العالم كله أتى وخلص نفوسنا ".
إن هذه الكلمات القصيرة لها مصدرها؛ فقولهم: