يكون قد فوَّض الأمر فيه إلى الأمة بعده. قال الزركشي في "البرهان": "والخلاف بين الفريقين لفظي، لأن القائل بالثاني يقول أنه رمز إليهم بذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته. ولهذا قال مالك: "إنما ألَّفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله بأن ترتيب السوَّر باجتهاد منهم، فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي؟ أو بمجرد إسناد فعلي، بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر".
وقال البيهقي في المدخل: "كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلى الأنفال والبراءة، لحديث عثمان" ومال إليه السيوطي وحديث عثمان لا دلالة فيه لما قاله كما سيأتي بحول الله تعالى.
قال أبو جعفر النحاس: "المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث واثلة: " أعطيت مكان التوراة السبع الطوال" فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من ذلك الوقت، وإنما جمع في المصحف على شيء واحد لأنه جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأليف القرآن. قلت: "لفظ حديث واثلة: "أعطيت مكان التوراة السبع الطوال وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل" رواه أحمد والطبراني، وفي إسناده عمران بن داوود القطان وهو وإن ضعفه يحي بن معين وأبو داوود والنسائي، فقد وثقه عفان ومشاه أحمد، وقال ابن عدي: "هو ممن يكتب حديثه". واحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم، فهذا الحديث حسن، قال الحافظ بن حجر في (فتح الباري) : "ومما يدل على أنَّ ترتيبها توقيفي ما أخرجه أحمد وأبو داوود عن أوس بن أبي أوس عن حذيفة الثقفي قال::كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف" الحديث. وفيه: "فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طرأ على حزب من القرآن فأردت ألا أخرج حتى أقضيه" فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: "كيف تحزبون القرآن؟ " قالوا: "نحزبه ثلاث سور، وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة