فيحرصون على التبحر ويرفضون الرسوخ والتحقيق في فن واحد، فيحسبون تكثير الأقاويل والمذاهب علما وهم خِلْوٌ عنه كما قيل: طَلَبُ الكل فَوْتُ الكل.

فمن اشتغل بالتفسير وجده بحرا متلاطما من الأقوال، وحفظه هذه الأقاويل يمنعه عن مسلك النظام من جهة نفاد فرصته ومنته، ومن جهة أن النظام قد خفي وضل عنه في شتات الوجوه الكثيرة بل لو رفض هذه الكتب كلها وأخذ طريق السلف رحمهم الله فتدبر القرآن والتمس المطابقة بينه، وبين السنة الثابتة لكان أقرب إلى معرفة النظام وصحيح التأويل.

الرابع:

قريب من الثالث، إنّ تحَزّب الأمة في فرق وشِيع، قد ألجأهم إلى التمسك بما يؤيده من الكتاب فراق لهم تأويله الخاص سواء كان بظاهر القول، أو بإحدى طرق حمل الكلام على بعض المحتملات. ولا يخفى أن غلبة رأي وتوهم، يجعل البعيد قريبا والضعيف قويا، وكذلك يضل كل فريق، فلكل حزب تأويل حسب مذهبه، وحينئذ لا يمكن رعاية النظام فإن الكلام لا بد له من سياق، ولا بد لأجزائه من موقع يخصه. فلو رعوا النظام، ظهر ضعف ما يمليه ويجذبه إلى غير مساقه، كما أنن الكلمة الواحدة ربما تكون مشتركة بين المعاني المتعددة ولكن إذا وضعت في كلام منع موقعها وقرائنها من كثرة الاحتمالات، وتعين منها ما وافق معنى الجملة والتأم به. ومع ذلك ليس كل نظام جديرا بالأخذ بل ما هو أحسن تأويلان فربما يلتئم الكلام ويتسق النظام بتأويل ركيك ساقط، فهذا مما يتح بابا لدخول الأباطيل والهوى، يخالف النظام الصحيح العالي الذي يظهر به رفيع مكان التنزيل، كما وصف الله به كتابه في مواضع لا تحصى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015