فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} الشعراء (225_226) .
هل الهيمان في كل واد إلا الجريان في القول من غير مقصد ونظام. وليس للعقل فيه رغبة، ولكن النفس ربما ترغب في الملاهي، والخُلُوِّ عن الفكر فتميل إلى ذلك كما تميل إلى الخمر والغناء وأشغالٍ تغفلها عن الهموم والأفكار وهذا ليس بدواء ولكنه داء. .
ثم يبين الدوافع الحقيقية، والأسباب الخفية التي جعلت بعض العلماء ينكرون المناسبة فيقول:
"ما أنكر وجود النظم في القرآن من أنكره إلا بخلاف رضاه، ولولا أنه أكره عليه لتحاشى عنه، فإنه لا يرضى عاقل أن يترك بين الناس كلاما له، وهو يعلم أنه مختل النظم، بل لو لاح له بعد زمان شيء من الإخلال راجع فيه النظر، وهذّبه غاية ما يمكنه".
وكذلك لا يهتم به من حَسُن فيه ظنه، وإنما يتهمه إذا عجز عن فهمه ولم يتهم فيه نفسه بالتقصير، فحينئذ ينسب إلى القائل إساءة الصناعة، وذلك إذا كان الكلام من مخلوق.
فأما إذا كان من الخالق _ تعالى وتقدس _ وهو محفوظ ومرتب على غير ترتيب النزول _ وألقاه الملك الأمين إلى نبي كريم، فيصح السان من قوم مشهورين بالفصاحة والبيان، وقد قرأه عليه مرارا.
ولا شك أن حُسْنَ الشيء ونفعه مودعان في تناسب أجزائه، لا سيما الكلام البليغ، ولا سيما إذا تحدى به البلغاء، فعجزوا عن الإتيان بمثله ولو بسورة واحدة. فلا أدري كيف يظن به ظان _ وهو من المسلمين المؤمنين بالله وتنزيله _ أنه خال عن حسن النظام.
فإذا كان الأمر كذلك، فلا شك أن الذين ذهبوا إلى نفي النظام ((أي المناسبة، لم يذهبوا إليه إلا لأسباب اضطرتهم إليه، فلنذكر بعض تلك الأسباب