واعلم أن مدار معرفة الله سبحانه على ما وصف به نفسه سبحانه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك يقول العلماء عنه عزّ وَجلّ: (كلّ ما خطر ببالك فهو على خلاف ذلك)، وهم يريدون بذلك أن الكُنْهَ والكيْفَ لله تعالى لا يدركه البشر في الدنيا لعدم المثيل والنظير.
ولذلك يقول عمرو بن عثمان المكي - رحمه الله -: (واعلم رحمك الله أن كل ما تَوَهّمَه قلبُك أوْ رسخ في مجاري فكرتك أوْ خطر في معارضات قلبك من حُسْن أوْ بَهاء أو إشراق أو ضياء أو جمال، أو شبحٍ ماثِل أو شخصٍ متمثّل فالله بخلاف ذلك كله، بل هو تعالى أعظم وأجلَّ وأكمل؛ ألم تسمع إلى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (?) وقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (?) أي لا شبيه ولا نظير ولا مساوي ولا مثل، وقِفْ عند خبره مسلِّماً مستسلماً، مذعناً مصدقاً بلا مباحثة التنقير، ولا مفاتشة التفكير جَلّ الله وعلا الذي ليس له نظير ولا يبلغ كنه معرفته خالص التفكير، ولا تحويه صفة التقدير، السموات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، أقام لِقلوب الموقنين حداً يمسكه التسليم عن التيه في بحور الغيوب المضروبة دون ذي الجلال والكبرياء فشكر لهم تسليمهم واعترافهم بالجهل بما لا علم لهم به وسَمّى ذلك منهم رسوخاً وربانية وإيماناً فقال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ