حَتَّى رسم مَكَانهَا وقاسها فَقَالَ الخواجا إِبْرَاهِيم مَا أردْت بذلك إِلَّا تنهيضه لفعل الْخَيْر
قلت وَقد شاهدت تِلْكَ الدَّار أثْنَاء كتابتي لهَذِهِ السطور وَهِي مَعْرُوفَة باسم الدلامية إِلَى الْآن فِي الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى الصالحية فِي الْجِهَة الشرقية وَهِي عامرة مَشْهُورَة وحائطها الغربي مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ السَّوْدَاء والصفراء على نمط جميل وبابها مَبْنِيّ على هندسة لَطِيفَة وإتقان يدل على مَا كَانَ للفن المعماري فِي ذَلِك الزَّمن من التَّقَدُّم وَكَأن الْمُتَقَدِّمين كَانُوا يتفننون فِي بِنَاء الْأَبْوَاب فيجعلون لأبواب دور الْقُرْآن طرزا غير طرز أَبْوَاب دور الحَدِيث ولأبواب الحَدِيث شكلا غير شكل أَبْوَاب مدارس الْفِقْه والعلوم ويميزون أَبْوَاب أبنية السلاطين والأمراء لمعاهد الْخَيْر عَن أَبْوَاب أبنية غَيرهم وَمن تَأمل مآثرهم رأى ذَلِك عيَانًا ثمَّ انك إِذا دخلت من الْبَاب أفْضى بك إِلَى صحن لطيف فِي وَسطه بركَة مَاء وَفِي الْجِهَة الشمالية إيوَان لطيف أَيْضا وَفِي الْجِهَة الْقبلية حرم جميل ثَلَاث عشرَة خطْوَة فِي سبع وَفِي الْحَائِط الشَّرْقِي حجرَة وَفِي الغربي حجرَة أَيْضا وَبهَا قبر الْوَاقِف وَلها شباك مطل على الطَّرِيق وَتلك الدَّار الْآن معدة لإِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس والأوقات الَّتِي اصْطلحَ عَلَيْهَا أَتبَاع الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الرَّشِيدِيّ من المتصوفة واخبرني أحد المقيمين بهَا أَن أَيدي المختلسين تناولتها قَدِيما فَجعلُوا نصفهَا دَارا وَالنّصف الآخر جنينة للورد والأزهار الَّتِي يَزْرَعهَا أهل الصالحية ويبيعونها فَلَمَّا كَانَت سنة ثَلَاثمِائَة وَألف انتدب لَهَا السّري المحسن عَليّ بك ابْن مردم باشا الْمُؤَيد العظمي فاستخلصها من يَد مختلسيها وبناها على الطّراز الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ الْآن
كَانَت هَذِه الدَّار شمَالي الخانقاه السميساطية وَكَانَ الطَّرِيق الَّذِي يمر إِمَام مدفن السُّلْطَان صَلَاح الدّين فَيَأْخُذ إِلَى الشرق يُقَال لَهُ درب الخزاعيين وَبَاب الْجَامِع الشمالي يُقَال لَهُ بَاب الناطفيين فَتغير الِاسْم وَبَقِي الْمَكَان على حَاله