وقال بشر بن الحارث: "إنما يراد من العلم العمل، اسمع وتعلم واعلم وعلّم واهرب، ألم تر إلى سفيان الثوري كيف طلب العلم، فعلِم وعلّم وهرب، وهكذا العلم إنما يدل على الهرب عن الدنيا ليس على طلبها" 1.

6 - ومن تلك المعالم أيضاً ترك الجدل والمماراة في العلم والبعد عن مجادلة ومجالسة أهل الأهواء، وقد أكثر السلف رحمة الله عليهم من ذم أصحاب الأهواء والتحذير من مجالستهم، أو مجادلتهم، أو الاشتغال بالرد عليهم. وقد أورد أبو عبد الله بن بطة العُكبرى (ت 387هـ‍.) في كتاب "الإبانة الكبرى" عن ذلك أكثر من ثلاثمائة وأربعين نصاً ثم عقب على ذلك بقوله:

"فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة والخلاف والمماحلة والأهواء المختلفة والآراء المخترعة من شرائع النبلاء، ولا من أخلاق العقلاء، ولا من مذاهب أهل المروءة، ولا مما حُكي لنا عن صالحي هذه الأمة، ولا من سير السلف، ولا من شيمة المرضيين من الخلف، وإنما هو لهوٌ يُتعلم ودراية يُتفكه بها، ولذة يُستراح إليها، ومهارشة العقول وتذريب اللسان بمحق الأديان، وضراوة على التغالب واستمتاع بظهور حجة المخاصم، وقصد إلى قهر المناظر، ومغالطة في القياس، وبُهت في المقالة، وتكذيب الآثار، ومكابرة لنص التنزيل، وتهاون بما قال الرسول، ونقض لعقدة الإجماع، وتشتيت الألفة وتفريق لأهل الملة، وشكوك تدخل على الأمة وضرواة السلاطة وتوغير للقلب، وتوليد للشحناء في النفوس عصمنا الله وإياكم وأعاذنا من مجالسة أهله" 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015