قرون) كادت تستأصل شأفة العنصر اليهودى الدخيل لولا أن زعماء هؤلاء اليهود انحنوا للعاصفة فسلموا بالهزيمة ثم (لكى ينجوا من الهلاك) قبلوا الانضواء (بالحِلف) تحت لواء مختلف القبائل اليمنية المنتصرة عليهم (الأوس والخزرج) فاندمجوا فيهم، وبذلك ضمنوا سلامة أرواحهم وممتلكاتهم, ولكن على حساب التسليم بهدم سلطانهم السياسي والعسكري الذي كان سائدًا على يثرب.
وهكذا فإن يهود يثرب إذا كانت الهزات العنيفة التي زلزلت سلطانهم ومزقت وحدتهم، سواء بسبب تعرضهم لهجمات المهاجرين اليمانيين الضاربة أو بسبب النزاعات القبلية المسلحة التي نشبت بين اليهود أنفسهم قبل ظهور الإسلام بعدة قرون، فإن يهود خيبر ظلوا (طيلة وجودهم الاستعمارى) بمنجاة عن مثل هذه الهزات الخطيرة التي ذهبت بسلطان اليهود في يثرب.
الأمر الذي أبقى على وحدة يهود خيبر وتماسكهم. وذلك دونما شك من أعظم أسباب تفوقهم في القوة والمنعة والشجاعة على جميع العناصر اليهودية الدخيلة المبعثرة في ذلك الركن من جزيرة العرب.
فالمؤرخون مجمعون على أن يهود خيبر أشجع وأقوى العناصر اليهودية المحاربة في جزيرة العرب دونما استثناء.
ولعل أكبر دليل على صحة هذا القول، هو أن يهود يثرب (بالرغم من كونهم أكثر عددًا وأوسع ثراءًا من يهود خيبر) فإنهم قد جبنوا عن مواجهة المسلمين في أية معركة فاصلة، إذ فضّلوا الاستسلام ثم النفي على خوض أية معركة فاصلة عندما وصلوا في عدائهم للمسلمين إلى درجة النزاع المسلح كما حدث لبنى قينقاع ثم بني النضير وأخيرًا بني قريظة (?).