ولما تَقَدَّمَ أَقُولُ: إِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ هُنَاكَ أَدنَى تَقَارُبٍ عَقَدِيٍّ وَفِكرِيٍّ بَينَ أَهلِ السُّنَّةِ وبَينَ الرَّوَافِضِ, وَقَد رَأَينَا نَتِيجَةَ التَّقَارُبِ مَعَ الرَّافِضَةِ عَبرَ التَّارِيخِ مِن خِلالِ تَقرِيبِ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ لِلرَّافِضَةِ وَجَعلِهِم لهُم وُزَرَاءَ وَقَادَةً؛ كَابن العَلقَمِيّ وَنَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيّ, وَمِن خِلالِ مُصَاهَرَتِهِم كَمَا ذَكَرنَا مَعَ مَرَاجِلِ أُمِّ المَأمُونِ ... فَمَا كَانَ مِن هَذَا التَّقَارُبِ إِلا أَن عَادَ بِالهَلَكَةِ للأُمَّةِ, وَكَانَ سَبَبَ سُقُوطِ دَولَةٍ 'سلامِيَّةٍ, وَقِيَامِ دُوَيلاتٍ رَافِضِيَّةٍ عَلَى أَشلائِهَا, كَمَا تَسَبَّبَ هَذَا التَّقَارُبُ في إفسَادِ العَقِيدَةِ, بِإِلزَامِ النَّاسِ بِالقَولِ بمُحُدَثَاتِ الأُمُورِ وَبِدَعَهَا وَبَثِّ الشُّبَهِ بَينَ المُسلِمِينَ, حَتَّى زَعزَعَت عَقَائِدَهُم وَشَابَهَا كَثِيرٌ مِنَ الانحِرَافَاتِ، كَمَا هُوَ القَولُ بِخَلقِ القُرآنِ وَغَيرَ ذَلِكَ مِنَ الأَفكَارِ وَالعَقَائِدِ التي اكتَسَبَهَا أَبنَاءُ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ مِن أُمَّهَاتِهِم الفَارِسِيَّاتِ.
ومَا أَجدَرَ بِنَا في هَذَا المَقَام أَن نَذكُرَ أَقوَالَ كَثِيرٍ مِنَ العُلَمَاءِ وَالمُثَقَّفِينَ الذِينَ كَانُوا يَدْعُونَ جَهلاً بِالوَاقِعِ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ إِلى التَّقَارُبِ مَعَ الرَّافِضَةِ, ثُمَّ لما تَبَيَّنَ لهُم الحَقَّ عَادُوا إِليهِ كَرِسَالَةِ وَعظٍ وَتَذكِيرٍ وَتَنبِيهٍ لِدُعَاةِ التَّقَارُبِ اليَومَ الذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ.
قَالَ الدُّكتُورُ "مُصطَفَى السِّبَاعِيّ" في كِتَابِهِ [السُّنَّةُ وَمَكَانَتُهَا في التَّشرِيعِ الإسلامِيّ]: "فَتَحتُ دَارًا لِلتَّقرِيبِ بَينَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ بِالقَاهِرَةِ مُنذُ أَربَعَةِ عُقُودٍ لَكِنَّهُم رَفَضُوا أَن تُفتَحَ دُورٌ مُمَاثِلَةٌ في مَرَاكِزِهِم العِلمِيَّة كَالنَّجَفِ وَقُم وَغَيرَهَا, لأَنَّهُم إِنَّمَا يُرِيدُونَ تَقرِيبَنَا إِلى دِينِهِم".
ويَقُولُ الدُّكتُورُ "عَلي أَحمَد السَّالُوس" أُستَاذُ الفِقهِ وَأُصُولِهِ: "بَدَأتُ دِرَاسَتِي بِالدَّعوَةِ إِلى التَّقرِيبِ بَينَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ بِتَوجِيهٍ مِن أُستَاذِيَ الجَلِيل الشَّيخُ "مُحَمَّد المَدَنِي"،عَلَى أَنَّ التَّشَيُّعَ مَذهَبٌ خَامِسٌ بَعدَ أَربَعَةِ أَهلِ السُّنَّةِ؛ غَيرَ أَنَّنِي بَعدَمَا بَدَأتُ البَحثَ وَاطَّلَعتُ عَلَى مَرَاجِعِهِم الأَصلِيَّةِ وَجَدُّتُ الأَمرَ يَختَلِفُ تَمَامًا عَمَّا سَمِعتُ .. فَدِرَاسَتِي إِذَن بَدَأَت بِتَوجِيهٍ