ولما تَقَدَّمَ أَقُولُ مُنَبِّهًا؛ إِنَّهُ كُلَّمَا تَوَاجَهَ المُسلِمُونَ ضِدَّ الكُفَّارِ مِن اليَهُودِ والنَّصَارَى, وَفي كُلِّ حَربٍ عَلى مَرِّ التَّارِيخِ, وَحَتَّى في عَصرِنَا الحَاضِرِ نَجِدُ الرَّافِضَةَ يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا إِلى مُعَسكَرِ الكُفرِ, وَيَمُدُّونَهُم بِجَمِيعِ أَنوَاعِ الإِمدَادَاتِ المُتَوَفِّرَةِ إِليهِم عَسكَرِيًّا وَمَعلُومَاتِيّاً, وَيُفَضِّلُونَ المَوتَ أَو انتِصَارَ الكُفرِ عِلَى أَن يَنتَصِرَ المُسلِمُونَ وَتَكُونَ لهُم اليَد العُليَا, وَهُم لا يُقَاتِلُونَ أَعدَاءَ الإِسلامِ مِنَ الكُفَّارِ الأَصلِيِّينَ, وَأَنَّهُ حَتَّى في الحَالاتِ التي كَانُوا يُظهِرُونَ أَنهُم يُقَاتِلُونُهُم إِمَّا أَن يَكُونُوا تَحتَ قِيَادَةٍ سُنِّيَّةٍ هِيَ التِي تُحَرِّكُهُم, وَمن بَابِ التُّقيَةِ يَتَحَرَّكُونَ. وذَلِكَ في حَالاتٍ نَادِرَةٍ.
أَو في حَالَةِ غَدرٍ وَاستِهتَارِ الكُفَّارِ بهِم, وبِأَرَاضِيهِم وَمَصَالحِهِم كَمَا حَصَلَ مَعَ الوَزِيرِ "الأَفضَلِ" حِينَ استَنجَدَ بِالدَّمَاشِقَةِ السُّنِّيِّينَ لمَّا رَأَى استِهتَارَ الصَّليبِيِّينَ بِهِ وَبِمَصَالِحِهِ, بَعدَ أَن قَدَّمِ لهُم كُلَّ التَّنَازُلاتِ المُمكِنَةِ, وَطَلَبَ مِن عَسكَرِهِ فِيمَا بَعد الانضِوَاءَ تَحتَ قِيَادَةِ "طَغتِكِينَا أَتَابك".
وكَمَا حَصَلَ مَعَ الخَلِيفَةِ العُبَيدِيّ "العَاضِد" لما رَأَى اجتِيَاحَ الفِرَنجِ لِبِلادِهِ وَخَشِيَ عَلَى قَصرِهِ وَنِسَائِهِ فَأَرسَلَ إِلى "نُورِ الدِّينَ" يَستَنجِدُ بِهِ, وَيَستَغِيثُ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ أَرسَلَ شُعُورَ نِسَائِهِ قَائِلاً: "هَذِهِ شُعُورُ نِسَائِي مِن قَصرِي يَستَغِثنَ بِكَ لِتُنقِذَهُنَّ مِنَ الفِرَنجِ".
رَابِعَاً: إِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ لِلمُسلِمِينَ نَصرٌ وَلا غَلَبَةٌ عَلى المُحَارِبِينَ الكُفَّارِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلا بَعدَ القَضَاءِ عَلَى مَن دُونَهُم مِن العُمَلاءِ المُرتَدِّينَ, وَعَلَى رَأسِهِم الرَّافِضَةُ تَمَاماً, كَمَا رَصَدَ لنَا التَّارِيخُ كَيفَ أَنَّ بَيتَ المَقدِسِ الذِي سَقَطَ بِيَدِ الصَّلِيبِيِّينَ بِمُعَاوَنَةِ الرَّافِضَةِ العُبَيدِيِّنَ لم يُستَعَد إِلا عَلَى يَدِ "صَلاحِ الدِّينِ", مَعَ أَنَّ "نُورَ الدِّينِ مَحمُوداً" كَانَ أَشَدَّ عَلَى الصَّلِيبِيِّينَ مِن "صَلاحِ الدِّين", وَلكِن قَدَرُ اللهِ تَعَالى أَن يَكُونَ النَّصرُ وَتَحرِيرُ بَيتِ المَقدِسِ عَلَى يَدِ "صَلاحِ الدِّينِ", وَلكِن مَتَى؟ بَعدَ أَن حَارَبَ الرَّافِضَةَ العُبَيدِيِّنَ لِعِدَّةِ سَنَوَاتٍ, وَقَضَى عَلى دَولَتِهِم تَمَامًا وَأَسقَطَهَا, ثُمَّ بَعدَ ذَلكَ تَفَرَّغَ لِلصَّلِيبِيِّينَ حَتَّى تَمَّ لَهُ