وَأمّا فِي العَهدِ العَبّاسِيّ وّالّّذِي استَمَرَ حُكمُهُم فِيهِ مابَينَ سَنَةِ مِئَةٍ واثنَينِ وَثلاثين، إلى سِتُ مِئَةٍ وَسِتٌ وَخَمسينَ لِلهِجرة، فَحَدّث وَلا حَرَج عَن ظُهورِ أمرِ الرّافِضَة وتَشَعُبُ خِياناتِهِم وَتَفَنُنِهِم في أسالِيبِها، وَمِن جَميعِ الجَوانِب سِياسِيَّةً كانَت أَو دِينِيَّة أَو أَخلاقِيَّة.
فَأمَّا الاغتِيالاتِ فَأكثَرُ مِن أَن تُحصى وأمَّا قلاقِلُ الانقِساماتِ والدُويّلاتِ الخارِجَةِ عَنِ الخِلافَةِ أشّدُ مِن أن تُرسَى فَكانَت بِدايةُ جَرائِمِهِم في هذا العَصر سِياسِيَّة تَروم إِسْقاطِ الخِلافةِ الأُمَوِيَّةِ وَالخُروجَ عَلى وِلايةِ الحاكِم الأُمَوِيّ ثُمَّ بَعدَ ذلِك التَسَتُر بِدَعوى أحَقِيةِ بَنِي العَبَّاسِ فِي الخِلافَه والَّتي نَادى وَدَعَى إِليّها أبو مُسلِم الخُراسانِيّ لِيَتَمَكَنوا مِنَ السَيطَرةِ عَلى مَقالِيدِ البِلاد بَعدَ أن أظهَرُوا مُوالاتِهِم وَمُشايَعَتِهِم لِبَني العَبَّاسِ زُورا, فَبَدَأوا بِخُراسان الَّتِي كانَت أَوَّلَ ما سَقَطَ مِنَ البِلاد عَلى يَدِ أبِي مُسلِم ومَع بِدايَة العَهدِ العَبّاسِيّ فَأَخَذَ الفُرسُ الحاقِدونَ يَشفُونَ غَلِيلَهُم مِن العَرَب المُسلِمين هُناكَ فَأَشبَعُوهُم قَتلاً وبَطشاً وَتَنكِيلا.
وَحاوَلَ أبو مُسلِم نَفسَهَ شَقَّ عَصَا الطاعَة عَلى المَنصُور الَّذي وَلِيَ الخِلافَة بَعدَ مَوتِ أَخِيهِ السَّفّاح وَحاوَلَ أن يَغدُرَ بِهِ وَلكِنَّ المَنصُور بِدَهاءِهِ وَفِطنَتِهِ تَنَبَهَ لِما يُحِيكَهُ أَبو مُسلِمٌ لَهُ فَاستَدرَجَه حَتى تَمَكَنَ مِن قَتلِهِ شَرَّ قَتَلَه وَدارت بَعَدَ ذلِكَ مُحاولاتٌ فاشِلَه مِن أنصارِ أَبِي مُسلم لِلانتِقامِ لَه تارةً مِن خِلالِ الفِتَنِ السِياسِيَّة وتارةً مِن خِلالِ بَثِّ الشُبُهات.
ومِن هذِه المُحاولات خُروج "سَِنباب" الَّذي طَالَبَ بِبَدَنِ أَبِي مُسلم فَأَرسَل لَهُ المَنصور جَيشاً فَهَزَمَهُ ثُمَّ ظَهَرَت "الراوِنديَّة" (?) قُربَ أَصفَهان أَيضاً مِن جماعَةِ أبِي مُسلم يَدعُونَ لِمُعتَقَداتٍ فاسِدةٍ فَنادَوا بأُلوهِيَّة المَنصور وَأَرادوا بِذلِكَ خِداعَهُ والإِيقاعَ بِهِ لِقَتلِه وَلكِنَّهُ حارَبَهُم وانتَصَر عَلَيهِم ثُم ظَهَرَ بَعدَ ذلِك مِنهُم رَجلٌ لَقَّبَ نَفسَه بِالمُقَنَّع زَعَم أنَّ الله سُبحانَه وَتعالى حَلَّ فِي آدم ثُمَّ في نوح ثُمَّ في أبِي مُسلِم ثُمَّ حَلَّ بِه أخيراً، واستَطاعَ أَن