حينئذ - أن تنظر النظرة السليمة إلى تراقه، ومن خلال هذه النظرة تجد الرؤية واضحة جلية، لا تحتاج معها إلى محاولة تأويل ما قد يتعارض من أقواله تأويلاً لم يخطر لعبد القاهر الجرجاني على بال، وهذه النظرية السليمة هي التي أوصد المتأخرون دونها الأبواب، وأغمضوا العيون، وأصموا الآذان، وعكفوا على مسائل البلاغة من خلال الكتابين، دون مراعاة لطبيعة المرحلة التي كان يكتب فيها عبد القاهر كلا من الكتابين، ودونك بعضاً من هذه الأمثلة التي تطور فهم عبد القاهر لها، وهو يكتب الدلائل، بعد أن كانت رؤيتها غائمة أمام ناظريه، وهو يكتب "الأسرار" وبخاصة ما يتصل منها بالتمثيل -على حد الاستعارة -:

يقول عبد القاهر الجرجاني: (أعلم أن الشبه إذا انتزع من الوصف، لم يخل من وجهين:

احدهما: أن يكون لأمر يرجع إلى نفسه، والآخر أن يكون لأمر لا يرجع إلى نفسه: فالأول: ما مضى في نحو تشبيه الكلام بالعسل في الحلاوة وذلك أن وجه الشبه هناك، أن كل واحد منهما: يوجب في النفس لذة وحالة محمودة ويصادف منها قبولاً، وهذا حكم واجب" "للحلاوة من حيث هي حلاوة" أو للعسل من حيث هو عسل".

وأما الثاني - وهو ما ينتزع منه الشبه لأمر لا يرجع إلى نفسه: فمثاله أن يتعدى الفعل شيء مخصوص يكون له من أجله حكم خاص، نحو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015