الثاني: ما ليس له نفس سائلة: أي ليس له دم في عروقه كسائر الحشرات من ذباب وما في أنواعه كنحل وجراد وغير ذلك فإنه إذا مات فإن ميتته طاهرة , فإن مالا نفس له سائله إذامات لايتعفن ولاتحصل منه رائحة نجسة كريهة , بخلاف ماله نفس سائله فإنه حينئذ يتعفن ويكون له رائحة خبيثة ورائحة نتنة ولذا حرم الشارع أكله وبين أنه من النجاسات لأنه يتنجس ويتعفن بوجود ذلك الدم المحبوس فيه لأنه لم يزهق.
حينئذ تعلم الحكمة التي أخذ منها النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحكم وهو أنه إذا وقع الذباب في إناء أحدكم أن يغمسه ثم ينزعه، ولو كان نجساً بكامله فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بغمسه وإنما قال بنزعه وإخراجه.
وقد قال بعض أهل العلم أن الذباب إذا وقع في الإناء ولم يكن الذي وقع فيه شراب أنه يغمس ثم يخرج ما حوله من الطعام وهذا لا دليل عليه ويخالفه طاهر النص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نظير ما تقدم معنا في حديث بول الأعرابي الذي بال في المسجد فإنه رغم بوله إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بمكاثرة الماء عليه فلم يأمر بحمل ما بال عليه من التراب ونحو ذلك , وهذا الخبر نظير له فيلزم فيهما الوقوف على النص, فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر أن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء أمر بغمسه كاملاً وهذا أمر يجب امتثاله.
وقد طعن بعض من لا فقه له ممن أعرض عن دين الله عز وجل من معتزلة العصر وغيرهم في هذا الخبر وطعنوا في حديث أبي هريرة رضوان الله تعالى عليه وهذا لجهلهم فإن هذا الحديث لم ينفرد به أبو هريرة رضوان الله تعالى عليه.
فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري كما أخرجه الإمام النسائي وغيره فقد أخرجه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصححه بعض أهل العلم.