أسرعنا إلى السيارة فإذا هي من سيارات النقل، وإذا السيارة الصالحة قد سافرت، فلم نجد بداً من ركوبها، وليس فينا من يقدر على استئجار سيارة خاصة. أنا أفلس خلق الله ولا فخر، والأستاذ ليس من الموسرين، والشاعر مشغول عن عد دراهمه والتفكير فيها بالبكاء على الفقيدة الغالية: رجل الدجاجة!
كانت السيارة معدة لركوب تسعة نفر، ولكنهم أركبوا فيها خمسة عشر وخروفاً سميناً وفراشين وأربعين غرسة مشمش! وسدّوا شبابيكها جميعاً خشية البرد، فدُفنّا فيها أحياء. أما مولانا الشاعر فعزم علينا أن نؤثره على أنفسنا بالمكان الأجود (جانب السائق) حتى لا يشغله الازدحام عن إتمام معلقته. ولقد نسيت أن أقول لك إن مع كل راكب سلة أو سلتين وضعوها في الأحضان وبين الأرجل!
ثم سارت السيارة وهي تقوم بنا وتقعد، فإذا قامت وصلت مِعَدنا إلى حلوقنا وضربت رؤوسنا السقف، وإن قعدت آذتنا في مقاعدنا أجلّك الله ... وإذا دارت أو تلفتت ترنحنا ذات اليمين وذات الشمال؛ فلا ترى إلا قائماً وقاعداً، ورائحة الخروف وعطر البصل والثوم يملأ هذا المجلس المبارك ... وفوق هذا كله فتح السائقُ فمَه والخروفُ حلقَه، وراح ذاك يغني وهذا (يجعِّر) (?).
وأخيراً وصلنا بالسلامة (أو شئت بالموت الأحمر!) إلى التل. ثم حملتنا السيارة -وقد قذفت بمن فيها هناك- إلى منين، دار الشاعر الكريم، فدخلت منزله واستلقيت على الأرض،