الضاحكة، وفي عطر كل زهرة وصمت كل صخرة، وأشعة الشمس المطلة من وراء الذّرى للسلام، والمشرفة من آخر الأفق للوداع، وفي نور القمر الذي يغمر لبنان بفيض من الشعر والحب والسحر، وتعيش في كل ذروة من لبنان.
* * *
رَجَعتني هذه «الأبوذية» إلى سالفات أيامي، فذهبت أعراض صور حياتي فيها وهي تمر بي متتالية متعاقبة كمناظر السينما، ملتفّةً بضباب الماضي، فأرى مآسيها المغسولة بالدموع وفواجعها الدامية، ولكني لا أرى البهجة والسرور. فهل أرى البهجة والسرور بعد أن أشرفت على الثلاثين؟
كنت أفكر دائباً في المستقبل، وأنتظر المستقبل، فها هو ذا المستقبل قد صار حاضراً، فهل وجدت فيه إلاّ الخيبة والألم؟
لقد جربت الصناعات والفنون، وطوّفت في البلدان، فما أفدت من ذلك كله إلاّ أني تركت في كل بلد قبراً لأمل من آمالي. لقد أضعت الحب والمال، وأضعت المجد الأدبي، حتى هذه الألحان التي تدور في نفسي ضاعت مني؛ فلم أستطع أن أُسمِعَها الناسَ أغانيَ وأصواتاً. ما سمع الناسُ إلاّ أقصرَ أغانيَّ وأقبحَها، تلك هي مقالاتي التي نشرتها، فمتى يسمعون أجمل ألحاني وأطولها؟
في المستقبل!