العمل الصالح وبمعاشرة الأهل الاستعفاف والعفاف وبجمع المال من حِلّه القدرة به على الخير، كان كل ذلك لك عبادة، وكل نعمة تشكر عليها وكل مصيبة تصبر لله عليها كانت لك عبادة.
والإنسان مفطور على الطمع، تراه أبداً كتلميذ المدرسة؛ كلما بلغ فصلاً كان همه أن يصعد إلى الذي فوقه. ولكن التلميذ يسعى إلى غاية معروفة إذا بلغها وقف عندها، والمرء في الدنيا يسعى إلى شيء لا يبلغه أبداً، لأنه لا يسعى إليه ليقف عنده ويقنع به بل ليجاوزه راكضاً يريد غايةً هي صورةٌ في ذهنه ما لها في الأرض من وجود!
وقد يُعطى المال الوفير والجاه الواسع والصحة والأهل والولد، ثم تجده يشكو فراغاً في النفس وهمّاً خفياً في القلب لا يعرف له سبباً، يحسّ أن شيئاً ينقصه ولا يدري ما هو، فما الذي ينقصه فهو يبتغي استكماله؟
لقد أجاب على ذلك رجلٌ واحد؛ رجل بلغ في هذه الدنيا أعلى مرتبة يطمح إليها رجل: مرتبة الحاكم المطلق في ربع الأرض فيما بين فرنسا والصين، وكان له مع هذا السلطان الصحة والعلم والشرف، هو عمر بن عبد العزيز الذي قال: "إن لي نفساً توّاقة، ما أُعطيت شيئاً إلاّ تاقت إلى ما هو أكبر: تمنّت الإمارة، فلما أعطيَتها تاقت إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت إلى الجنة"!
هذا ما تطلبه كل نفس؛ إنها تطلب العودة إلى موطنها الأول، وهذا ما تحسّ الرغبة الخفية أبداً فيه والحنين إليه والفراغ الموحِش إن لم تجده.