نشرت سنة 1959
يحمل إليّ البريد كل أسبوع نحواً من ثلاثين رسالة، يبعث بها إليّ سامعو أحاديثي في الإذاعة وقرّاء مقالاتي في الصحف، ولكني لم أجد فيها كلها مثل الرسالة التي تلقيتها أمس. رسالة من أم، جاءتني في «يوم الأم»، ليس فيها من فصاحة اللفظ شيء ولكنها في البلاغة آية من الآيات، وهل البلاغة إلاّ أن تقول ما يصل بك إلى الغاية ويبلغ بك القصد؟
تقول هذه الأم إنها سمعت بعيد الأم ولكنها لم ترَه، وعرفت شقاء الأم بالولد ولكنها لم تعرف بر الولد بالوالدة. وهي لا تشكو عقوق ولديها، فهما صغيران ما بلغا سن العقوق، ولكنها تشكو ضيق ذات اليد وفقد المُسعد والمعين، وأنها تصبّر النفسَ حيناً ويتصرّم أحياناً صبرُها، وتسألني: أتطلق الولدين من إسار المدرسة وتبعث بهما يتكسبان دُريهمات تعينها على العيش؟ وتسأل ماذا تجني منهما إن درَسا وهي لا تملك ثمن كساء المدرسة ولا نفقاتها؟ فكيف يستطيعان أن يكملا الدرس ويتمّا التحصيل وهما بالثوب البالي والجيب الخالي؟