فكنا إذا بلغنا الدار وثبنا ننعم بالحرية والانطلاق بعد السجن والضيق، فلعبنا وتسلقنا الأشجار وصعدنا السطح وأكلنا العنب (وكانت دوالي الدار تحمل كل سنة أربعة قناطير (?) من العنب البلدي النادر) وأشرفنا على دار عثمان باشا، ولم يكن ثمة غيرها، وقد صارت هذه الدار -من بعد- قصر الملك فيصل لما كان في دمشق، ثم صارت المفوضية الفرنسية، وهي اليوم خالية خاوية قائمة تسخر ممن يثق بالزمان ويطمئن إلى السلطان!
فإذا مللنا دخلنا الجُنينة فبقينا فيها وأفسدنا ما فيها من نوادر الغراس، وكان في آخرها باب صغير هو في أنظارنا -يومئذ- نهاية العمران وآخر المسكون في الأرض، وكنا نتهيب أن ندنو منه، ثم تجرأنا مرة فولجناه فإذا نحن في مثل غابات إفريقية بهولها وعجائبها: بساتين متصلة وأشواك معترضة وسَواقٍ هدّارة مرعبة (?)، تعترضها شلالات عميقة وكلاب شرسة ونواطير أشرس من الكلاب ... وكنا مجموعة من الأولاد؛ أنا وأبناء عمي وأولاد الجيران ... وأظلم علينا الليل ونحن في هذه المجاهل وكانت ليلة ليلاء.
* * *
كذلك كانت دورنا الشامية، كانت سكناً ونزهة، وكانت مَصِيفاً ومشتىً، وكانت كالمرأة المحجبة لا تبدي زينتها لغير أهلها، تراها من الخارج كأنها مخازن التبن ما تكشف عنها نافذة