زيارة بيت عمي في العفيف. وكان الذهاب إليه سفرة، فكنا نمشي إلى «بوّابة الصالحية» ... وهي اليوم لب دمشق وهي أعظم ميدان فيها وحولها أضخم عماراتها، ولكنها كانت يومئذ مجازاً خطراً لا يستطيع أن يسلكه في الليل إلاّ الجَسور، وكان في نهاية سوق صاروجا «بوابة» من الخشب تُغلق في الليل، فإذا خرجت منها وجدت طريقاً ضيقاً يسلكه الترام وعلى جانبيه بساتين تتخللها بيوت متفرقة، وكان في موضع الشارع العظيم «شارع 29 أيار» بستان الكركه، وفي موضع البرلمان (سينما) أخذونا إليها ونحن تلاميذ فأرونا (فِلماً) عن موقعة «شناق قلعة». ثم احترقت السينما وبقيت أنقاضها سنين طويلة حتى أقيم البرلمان.
وكان بيت عمي من تلك البيوت الشامية الأصيلة. قصر رحيب له براني وجواني (?) وشتائي وصيفي، له صحن واسع في وسطه بركة مثمّنة تخرج منها (نافورة) قطرها شبر يمدها نهر يزيد، يتدفق منها عمود من الفضة المذابة يرتجّ ويتمايل كراقصة تتثنى وتتخلع، يحسبه الناظر متدفقاً بالزئبق، وعلى أركانها الثمانية ثماني شماشير (?) مدوّرات كأنما أُدرن بـ «بركار»، ومن ورائهن صفوف من نفائس الأشجار من الخوخ والدراق والمشمش والرمان، تحفّ بها من عند سوقها غرائب الأوراد والأزهار تظللها الدوالي صاعدات إلى السطوح، والأرض والجدران من الرخام الأبيض والمجزّع والحجر الملون المنقش تتسلقها فروع