من حديث النفس (صفحة 241)

صحبنا في لجنة من لجان الامتحان كان فيها الأستاذ الشيخ بهجة البيطار ليصحح معنا أجوبة التلاميذ، فكان كلما وجد استعارة أو مجازاً خط تحته خطاً، وكلما وجد مترادفاً من اللفظ أو مزدوجاً من الجمل مدّ مَدّة فوقه، ثم نقص عليه من درجات التلاميذ درجة. فحاورناه في ذلك فكان من رأيه الذي تعلّمه في باريز وعلّمه التلاميذ الذين جعلوه معلّمهم أن المذهب الجديد ينكر ذلك ويعُدّه غلطاً، وكانت حجته القاطعة على صحة رأيه أنه رأيه. وبذلك دفع كل ما ردّ به عليه الشيخ وما بيّنَ له من سنن العرب من كلامها وما جرى عليه بلغاؤها وما نزل به الكتاب، ومال ناظر المدرسة إلى «رأيه» لأنه هو وحده بيننا الذي يحمل شهادة التخصص في اللغة العربية من ... باريز!

ولو أسعدتني القريحة لكتبت في التعليق على الامتحانات وما يكون فيها من الوساطات والشفاعات والالتماسات وما نالني منها، وكم أبصرت في داري من وجوه ما كانت لتكون فيها لولا الحاجة وطلب «الشفاعات» ... وما يحيق بالمدرس المستقيم الشريف من عنت ومشقة وما يقال عنه وما يلقى ... وما يتخذ التلميذ من طرق الغش والحيل، فإذا أظهرتَها وعاقبته عليها زعم أنك ظلمته وتَمَسْكَنَ وجعل نفسه ضحية فأثار عليك الناس، أو «تَنَمْرَدَ» واستكبر فبطش بك، أو شتمك أو وكل بك من يقوم بـ «الواجب»!

ولو أسعدتني القريحة لكتبت في تاريخ الأدب فصلاً أجعل إهداءه للدكتور فلان ليرى أن الله لا يستحيل عليه أن يمنح ملكة الأدب مَن لا يحمل شهادة اختصاص فيه ... وأن الشهادة بلا علم ليست دائماً أفضل من العلم بلا شهادة!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015