في سبيلها؟ ما أنا في وجود الصحراء إلاّ رملة، وما حياتي إلاّ لحظة من حياتها، ولو تثاءبت الصحراء أو حكّت أنفها لتصرّمَ قرنٌ كامل قبل أن تنتهي من تثاؤبها وحكّها أنفَها ... فما أعظم الصحراء وما أطول عمرها!
- بل ما أقلّ الصحراء وما أقصر عمرها! ما الصحراء؟ بل ما الأرض كلها؟ وما هذا المليار من القرون الذي عاشته؟ إنه يوم من حياتي، إنها نقطة من بحري. إني نمت يوماً، فلما أفقت وجدت نقطة صغيرة هناك، فقلت: ما هذا؟ قالوا: مخلوق صغير يُدعى «الشمس» ... فعجبت من صغرها، ثم لم أحفل بها. فما أرضك هذه يا ... يا ... يا أيها العدم!
هذا ما قاله لي كوكب قريب كان ينظر إليّ باسماً، فذكرت ما قاله علماء الفلك عن الكواكب وعظمتها، فسكتُّ ولم أنطق. وإذا بكوكب آخر يطل من هناك يقهقه ضاحكاً يصرخ في وجه الأول: اسكت، اسكت أيها النملة الحقيرة، من أنت؟ إن آلافاً مثلك لا تملأ وادياً واحداً من أوديتي، إنني أحمل مئة مثلك بين أصبعين من أصابعي!
وكان وراءه كوكب خافت لا يقول شيئاً، لأنه لم يعلم بوجود هذا كله ... لا يراه لبعده وصغره. وكان وراءه ستمئة مليون من الكواكب كل واحد أكبر من الذي قبله، وأصغرها من هذا الكوكب كالفيل من البعوضة.
فجلست أحدق في هذه الكواكب ذاهلاً مشدوهاً، وانقطعت أفكاري عن الجريان وأحسست بضآلتي، حتى لقد خلتني عدماً.