من حديث النفس (صفحة 227)

الهواء الذي تنشقه والماء الذي تشربه والطعام الذي تأكله، ويحتل جسمك ويعيش في عينك وفمك ويسبح في دمك!

ترفّعْ عن المساكين وتكبّرْ على الفقراء يُرجِعْك المرضُ إلى صفوف المساكين والفقراء، فتَالَم كما يَالَمون، وتصيح مثل ما يصيحون. وكل ما في الحياة يسوّي بينك وبينهم. هل تنشق -أيها الغني- من الهواء هواء معطَّراً وينشقه الفقير بغير عطر، أم أن الهواء (وهو قوام الحياة) لك وله، قد سُوّي فيه بينك وبينه؟ هل تشرب ماء العيون معسولة مذاباً فيها السكر ويأخذها الفقير ملحاً أجاجاً؟ إن الهواء والماء والشمس والقمر والصحة والمرض والولادة والموت ... كل أولئك سطور خطَّ فيها اللهُ على صفحة الحياة أن الناس متساوون. هل سمعتم أن ابن الملك يولد -إذ يولد- مرتدياً الحرير، يمشي على رجليه إلى سريره ويلقي بنفسه خطبة ميلاده ويشرف من شبّاكه على شعبه، وابن السوقي يولد أخرس عارياً؟ افتحوا القبر المجصَّص الفخم وارفعوا ما فوقه من نصب وتماثيل وكتابات ونقوش، هل تجدون فيه عظاماً تضوع بالمسك وتفوح بالندِّ لأنها كانت تلبس الحرير وترتدي الديباج؟

هذا ما تعلمته من المرض!

وبعد، فلقد أطلت الكلام وآن أوان الطعام، ولا بد من قطع هذا الحديث! وأنا أحمد الله على الصحة والمرض، وأحمده على كل حال.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015