إذن لعدت أدراجي فلصرت العمر كله تلميذاً فيك، أستمتع بجوار ذلك الشيخ النوراني وأعيش في جو أنيس من نصائحه ومواعظه وقصصه، وأبقى أبداً ذلك الطفل الذي لا يدري ما الشرّ ... هذا ما تمنيت أن أكونه، وهيهات أن تتحقق الأماني الكواذب!
* * *
إني كلما رأيت هذه المدرسة خالية خاوية خربة لا يحفل بها أحد ولا يذكر شيخها إنسان، أيقنت أن الجحود سجية في هؤلاء الناس. أتنسى دمشق شيخها ومعلمها الذي أحسن إليها؟ إن هذا الشيخ لم يكن عالماً مؤلفاً ولا سياسياً حاكماً ولا فيلسوفاً مفكراً، ولكنه بنى في نهضة دمشق ركناً لم يبنِ أضخم منه عالمٌ ولا حاكم ولا فيلسوف. لقد كان معلم أولاد ولكن أولاده صاروا قادة هذا البلد، لقد أنشأ مدرسة منظمة يوم لم يكن في دمشق إلا الكتاتيب، لقد كان مربياً بالفطرة لم يقرأ بستالوسي ولا تعلم أصول التدريس، ولكنه كان أحسن مربّ رأيته (?).
فيا أيها القراء، لا تقولوا: ومَن الشيخ عيد السفرجلاني؟ وما له يملأ صفحات الرسالة بأخبار نَكِرة في الرجال؟ فكم في ظلام النسيان من عظماء حقاً، وكم في ضياء الشهرة من أصنام قائمة نظنها ناساً وهي مبنية من جامد الصخر أو بارد النحاس!
* * *