شيء. ثم عرفت الرافعي وقد أصدر كتابه «تحت راية القرآن» (رفع الله به درجاته في الجنة)، فعلمت أن الله قد خلق مَن هو أبلغ من المنفلوطي، إي والله، ومِن عبد الحميد وابن المقفع وابن العميد، ومَن كنا نراهم يومئذ أئمة البلاغة واللَّسَن. على أني لم أنسَ المنفلوطي وترجمت عن شكري له ولأستاذيّ الجندي والمبارك بإهداء الثلاثة كتابي «الهيثميات»، وهو أول كتاب ألفته سنة 1930، (وعلى أن رأيي في الرافعي قد بدّلته الأيام فلم أعد أستحسن من الأساليب إلا ما قارب الطبع وبَعُدَ عن الصنعة) (?).
أقول: إني أحسست بعد قراءة ما ذكرت من الكتب بشيء تجيش به نفسي فنفست عنها بمحاولة الكتابة، فاستوى لي مقال نسيت اليوم موضوعه، قرأته على رفيقي أنور العطار (وكان يومئذ يجرب قول الشعر)، فأشار عليّ أن أنشره، فاستكبرت ذلك. فما فتئ يزيّنه لي حتى لنت له، وغدوت على إدارة المقتبس، وكانت في شارع السنجقدار العظيم الذي صار خرائب وأطلالاً. فسلمت على أبي بسام الأستاذ أحمد كرد علي رحمه الله ورحم جريدته ... ودفعت إليه المقال.
ولم يكن من إخواننا من يعرف طريق صحيفة أو يجرؤ على النشر فيها. وكنا يومئذ متلبسين بجريمة الحياء التي أقلع عنها شباب اليوم والحمد لله الذي لا يحمد على المكروه سواه! فنظر في المقال فرأى كلاماً مكتهلاً ناضجاً، ونظر في وجهي فرأى فتى فطيراً، فعجب أن يكون ذاك من هذا، وكأنه لم يصدقه فاحتال عليّ