من حديث النفس (صفحة 196)

في مقدمة باب تهذيب الألفاظ: "مُنيت اللغة العربية بضروب من النكبات، لو أنزلت على جبل شامخ لتصدّع، ولو أصاب غيرها من اللغات معشارُ ما أصابها منها لعفت رسومها واندرست معالمها، ولكن الفضل في سلامة هذه اللغة الكريمة ونجاتها من براثن الفناء والموت يرجع إلى القرآن الكريم". وقال بعد قليل: "وغايتنا إرشاد الألسن والأقلام إلى مواقع الفصاحة والصواب، وصرفها عن مظانّ الغلط ووجوه الركاكة. ولسنا نزعم في كل ما نكتبه السلامة من الزلل والعثار لأن العصمة لله وحده".

أسمعتم هذه الجمل الثلاث؟ لقد لخص فيها الجندي منهاجه كله؛ المنهاج الذي يشتمل الدين والعلم والخلق، لقننا مع العربية الدين وقصد التقرب إلى الله بخدمة لغة القرآن. وأخذَنا -من أول يوم- بالبعد عن الجرائد والمجلات وهذا الأدب الجديد، ولم يكن يملي علينا في الإعراب والاستظهار إلاّ الشعر الذي يُحتج بعربيته من الجاهلي والإسلامي، ويخرِّج لنا الألفاظ تخريج المحدّثين الأحاديث، فيميز لنا الصحيحَ من الدخيل والفصيحَ من الشاذ.

وهو -على ذلك كله- متواضع حييٌّ، غاض الطرف والصوت، حاضر النكتة، صافي القلب، حسن المعشر، رضيّ الخلق، مستقيم لا تستطيع مغريات الدنيا أن تحوله عن طريقه.

ولقد سار على هذا المنهج حياته كلها، ولكنه قاسى في هذا السير الأهوال. لم يكن يوضَع برنامج للعربية في المدارس ويبدَّل أو يؤلَّف كتاب أو يعدَّل إلاّ دعوا الجندي، فإذا جاء وجد أعداء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015