الكتاب (كتاب النحو) لا يباليه، ويتكلم من أول الساعة إلى آخرها في اللغة وفي الأدب وفي كل شيء ... كان يريد أن يربينا على السليقة العربية بالمحاكاة والمِران وينفخ فينا من سحره ليجعلنا أدباء قبل الأوان.
وأما المبارك فما رأيت (وما أظن أني سأرى) مدرّساً له مثل أسلوبه في الشرح والبيان، وفي امتلاك قلوب الطلاب، وفي نقش الحقائق في صفحات نفوسهم بهذه الضوابط المحكمة العجيبة التي تلخِّص في جملة واحدة بحثاً من البحوث. وكان يعلمنا الفقه ... ماذا قلت؟ الفقه؟ هذا هو اسم الدرس في عرف المدرسة، أما الدرس -في حقيقته- فكان فقهاً وتفسيراً وحديثاً ولغة وشعراً وأخباراً، وما شئتَ من كل نافع مفيد وكل طريف جديد.
وكان الأول هو الذي جرّأني على امتطاء صهوات المنابر ومقارعة الفرسان في ميادين البيان، وكان الثاني هو الذي أخذ بيدي فأطلعني على كنوز الثقافة العربية وطبع نفسي بطابعه، حتى لأستغرق أحياناً في الدرس فإذا بي أتكلم بلسان المبارك ولهجته وأتحرك مثل حركته والطلاب ينظرون مدهوشين (?).