وذهب الشاب (الليسانسيه في الحقوق) يفتّش عن الخبز فلم يجده عند ناشر الكتاب، ولا في إدارة الجريدة، ولا في مكتب المحامي، ولم يجده إلاّ في مدرسة القرية، فصار «معلم صبيان» فيها يُقرئهم ألف باء، ثم ارتقت به الحال قليلاً فصار يدرّس سير الأدباء وأشعار الشعراء ... يكدّ ويتعب في الليل والنهار، يحمل آلام الغربة وعناء العمل، ثم لا ينتج أثراً أدبياً ولا يفيد علماً ولا يحفظ في جيبه درهماً واحداً.
إنه يشتغل من أجل المستقبل!
-9 -
أين ذلك الطفل الذي كان يكره المدرسة ويُبغض المعلم القاسي مِن هذا المعلم الفظّ، الذي يرهق الأطفال ويهز عصاه في وجوههم ويقرع بها جنوبهم؟ من يستطيع أن يتصور أن هذا هو ذاك؟ وأيُّ شبَه بينهما؟ إنهما مختلفان في الجسم والشكل والطبائع والميول، فلن يكونا شخصاً واحداً!
أين ذلك الطالب المتحمس الذي كان يقود الطلاب إلى المظاهرات ويخطب في المساجد والمجامع والأسواق مِن هذا المدرس الخامل الذي يلقي دروس الأدب على هؤلاء الطلاب، ويبدو فيهم كشيخ هِمّ (?) في الثمانين؟ هل هما شخص واحد؟