وتجرد، وشيء آخر كنت أحسه ولا أملك التعبير عنه، شيء مثل الذي تحسه وأنت تقرأ في رواية معروف «عمر بن الخطاب»، ومثل الذي تحسه وأنت تسمع حديث أنور عندما يكون أنور في سبحاته الشعرية ...
ورأيتنا ونحن في مطلع سنة 1933 وقد لقيت أنور، فقال لي: لك عندي مفاجأة تسرك، قلت: وما هي؟ قال: لا، إلا أن تتغذى معي في الدار. فذهبت معه، فإذا هي مفاجأة تسر حقاً: العدد الأول من مجلة «الرسالة».
ومن ذلك اليوم دخل بيننا (نحن الاثنين) صديق ثالث أحببناه وأحبنا، وهو الزيات ورسالته، وصارت الرسالة مدار أحاديثنا وصارت مستقر أدبنا، وصار الزيات أخاً لنا كبيراً وصديقاً عزيزاً، وإن كنت لم أرَه إلاّ بعد ذلك بثلاث عشرة سنة ولم يره أنور إلى الآن.
ورأيت أيام المعجزة التي ظهرت على يد الصديق منير العجلاني وكانت تُظن من باب المستحيلات؛ أيام المجمع الأدبي (?)، حين ألّفَ بين رجال ما كنا نتخيل أنها تؤلف بينهم الأيام، لاختلاف مذاهبهم في الأدب وتباعد مسالكهم في التفكير وتباين طرقهم في الحياة، وكانت أيام ألفة ونشاط وأمل، فأعقبها أيام افتراق ويأس وكسل ... فيا ليت منيراً الوزير يكمل ما بدأه منير المحامي!
* * *