فيها سكرين: سكر الجمال وسكر البيان، وأخضع فيه لسحرين: سحر الطبيعة وسحر الشعر، وأجمع فيها الماضي البهي ذكرى حلوة، والآتي الشهي أملاً مُرتجى، في حاضر ضاع في نشوة اللذة حتى لم يبقَ لنا منه حاضر نحسه وندركه، نقضي الأصباح نستمع إلى أشعار السواقي المتحدرة من الينبوع وأشعار أنور، ونقطع الأماسي عند الصخور التي أفضنا عليها من قلوبنا الحياة فصارت تحنو علينا وتولينا الحب، وأرقنا عليها البيان فأمست تحدثنا، تتلو علينا أحاديث الغابرين وتقص قصص الأسلاف من غسّان (?) أصحاب المجد المؤثل، فنحس كأنْ قد عاد الماضي ورجعت «القصور البلق» عامرة وبُعث المجد وعاش الحب، حتى لكأننا نسمع همس العشاق وآهات نشواتهم ووسوسة قبلاتهم، ونرى خيالات العناق من وراء الأستار!
أيام سعدنا بها، وما سعدنا بالصخر ولا بالماء ولكن بأحلام الشباب. رحمة الله على شبابنا وعلى تلك الأيام.
ورأيتنا وقد صرت أنا معلماً في الجبل من دمشق (في المهاجرين)، وصار هو معلماً في السفح (في الصالحية)، فكنا نرتقب المساء ارتقاباً، فإذا حل انحدرت أنا من هنا وانحدر هو من هناك، حتى نلتقي عند العَفيف (?)، نفرح بهذا اللقاء فرح حبيبين التقيا بعد طول الفراق.