من حديث النفس (صفحة 171)

من معين صاف لا ينضب، فتتناقله الألسنة وتمشي به الصحف، وتستقبل فيه العربيةُ شاعراً جديداً ملهَماً، ويفتح له أستاذنا محمد كرد علي أبواب المَجمع، فيقيم له ولإخوانه الثلاثة (?) حفلة تكريمية ينشد فيها أنور قصيدة من الشعر الجيد عنوانها «الشاعر»، يحسن اختيار موضوعها وألفاظها ومعانيها، وتشق له هذه القصيدةُ الطريقَ إلى مجلة «الزهراء» التي كان يصدرها في مصر خالي محب الدين الخطيب، والتي كانت أرقى مجلة أدبية في تلك الأيام. وكنت أودُّ أن ينشرها الشاعر في هذا الديوان (الذي لم يضمَّ إلاّ الأقل من شعره)، ليعرف منها القراء كيف كان أنور ينظم الشعر قبل عشرين سنة، وكنت أودُّ -إذ لم تكن في الديوان- أن أرويها كلها، ولكنها طويلة تملأ صفحات من هذه المقدمة.

وشعر أنور في تلك الفترة آهاتٌ أبدعها الفن صوراً، ودموعٌ صاغها البيان شعراً، ومقطعات حلوة، ما أدري ماذا زهّدَ الشاعرَ فيها فلم يثبت منها في هذا الديوان إلاّ مقطوعة «الحمامة».

* * *

ورأيت فصول (الفِلم) تتتالى ... فرأيت فيها كل دقيق وجليل من حياة أخي في الصغر وفي الكبر، ورفيقي في السفر وفي الحضر، وأنيسي في المسرة وفي الكدر: أنور.

رأيت أيامنا في المدرسة ونحن تلاميذ، نعيش من الأدب في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015