وقالت له المدرسة: «الأخلاق أساس النجاح»، وضرب له المعلم مثلاً سيئاً طلاباً لا أخلاق لهم ولا عفاف، وضرب له مثلاً عالياً طلاباً كانوا نموذج الطهر والاستقامة والشرف. فرأى أن الأولين قد بلغوا أعلى المراتب وأسمى المناصب والآخرين تحت تحت ... على العتبة!
فعلم أن المدرسة كانت تكذب عليه!
وقالت له المدرسة: «إن الحق فوق القوة. القوة للحق وليس الحق للقوة». فآمن بذلك وصدّقه وتسلح بسلاح الحق، فما راعه إلاّ اللص يضع مسدسه في صدغه يطلب ماله وثيابه، فألقى عليه محاضرة في الحق جمع فيها كل ما تعلمه من أساتيذه وأضاف إليه ما انشقّ عنه ذهنُه، فردّ عليها اللص بقهقهة مروّعة، وذهب بأمواله وثيابه ورجع هو عارياً؛ لم يبقَ له إلاّ فكرة سخيفة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تنجي من برد!
ورفع شكواه إلى القاضي، فلم يرَ عند القاضي حقاً يقهر القوة، ولكن وجد عنده قوة تصنع الحق؛ وجد قوة الجنود. فأين يبقى الحق إذا ثار اللصوص على الجند أو فتكوا بهم؟
هذه هي سنة الحياة. وليس على الحياة ذنب، فهي سافرة لم تستتر ولم تخدع أحداً عن نفسها، ولكن الذنب على الأدباء والمدرّسين الذين وضعوا عيونهم في أوراقهم وحبسوا أنفسهم في مكاتبهم، وأرادوا أن يدرسوا الحياة فلم يفهموا منها شيئاً.