وأمرح وأمزح وأُضحك وأَضحك، حتى ليظنني الرائي أسعد خلق الله وأطربهم، بَيد أني لم أكن أفارق أصحابي وأنفرد بنفسي حتى يعود هذا الفراغ الرهيب وترجع هذه الوحدة الموحشة.
انغمست في الحياة لأملأ نفسي بمشاغل الحياة وأُغرق وحدتي في لجة المجتمع، واتصلت بالسياسة وخببت فيها ووضعت وكتبت وخطبت، فكنت أحسُّ وأنا على المنبر بأني لست منفرداً وإنما أنا مندمج في هذا الحشد الذي يصفق لي ويهتف ... ولكني لا أخرج من النديِّ ويرفضُّ الناس من حولي وأنفرد في غرفتي حتى يعود هذا الفراغ أهول مما كان، وترجع الوحدة أثقل؛ فكأنما ما نقصت هناك إلا لتزداد هنا، كالماء تسد مخرجه فينقطع، ولكنك لا ترفع يدك حتى يتدفق ما كان قد اجتمع فيه ... فماذا يفيدني أن أُذكر في مئة مجلس أو يمر اسمي على ألف لسان، وأن يتناقش فيّ الناس ويختصموا، إذا كنت أنا في تلك الساعة منفرداً مستوحشاً متألماً؟
وجدت الشهرة لا تفيد إلاّ اسمي، ولكن اسمي ليس مني ولا هو (أنا)، فأحببت أن أجد الأنس بالحب وأن أنجو به من وحدتي، فلم أجد الحب إلاّ اسماً لغير شيء، ليس له في الدنيا وجود، وإنما فيها تقارب أشباح:
أُعانقُها والنفسُ بعدُ مَشوقَةٌ ... إليها، وهلْ بعدَ العِناقِ تَدَانِ؟
وألثُمُ فاها كي تزولَ صَبابَتي ... فيشتَدُّ ما أَلقى من الهَيَمانِ
كأنّ فؤادي ليس يَشفي غليلَه ... سوى أن يرى الرّوحينِ تلتَقِيانِ
ولكن أنى تلتقي الأرواح؟ وأين هذا الحب الجارف القوي