من حديث النفس (صفحة 115)

فيصفقون له ويهتفون ولكنه لا يسمع ولا يرى، فينصرف حزيناً يحسب أنه خاب وأساء!

إن أهل بلدي ينكرون عليّ كل شيء حتى الأدب!

لقد قرأت أمس مقالة سقطت إليّ عرضاً، فرأيت فيها مقالاً يخبط فيه صاحبه خبط عمياء، فيعدّ أدباء دمشق أو الذين يراهم هو أدباء، فيذكر فيهم كل موظف في وزارة المعارف وكل تلميذ يدرس في أوربة وكل مدرسي التاريخ والجغرافيا! ولكنه لا يذكر علي الطنطاوي ولا سعيد الأفغاني، أفسمعت أبلغ من هذا الجهل وهذا النكران؟

هذه حالنا في دمشق التي كنا نَحِنُّ إليها في مصر، ونحيي الليالي نفكر فيها، وتتراءى لنا صورتها حيال الأفق من عند قنطرة الزمالك أو من ذروة الهرم، ونساهر النجم نفكر فيها ونعد الأيام للوصول إليها ... دمشق صارت كالهرة تأكل -من حبّها- بنيها!

لقد حمل إليّ البريد رسائل جمة ممن أعرف ومن لا أعرف يسألني أصحابها: لِمَ لا أكتب في الرسالة في هذه الأيام؟ فوجدت في هذه الرسائل عزاء، وشكرت لأصحابها، وتوهمت حين قرأتها أن في الدنيا من يفكر فيّ ويقرأ ما أكتب، ولكني لم أُجِبْ واحداً منهم. وبماذا أجيبهم؟ وكيف أقول لهم إن دمشق قد قتلت في نفسي روح الأدب؟

كيف أشكو دمشق التي أحبها؟ وكيف أذمّها بعملها؟

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015