كانت بغداد حاضرة الخلافة العباسية هي السوق التي كان يروج فيها العلم والأدب، فكان يرتحل إليها العلماء من الأقطار كافة، كل يحمل إليها طابع بلده الخاص، أو بتعبير آخر مدرسة بلده في الفن المختص به، فالتقت لكل علم وفن ألوان وطوابع مختلفات، احتكت وتمازجت وكان منها ألوان جديدة مطبوعة بالسمة البغدادية العامة. وذلك ما كان في النحو، فقد نشر الكوفيون فيها نحوهم وقصدها نحاة بصريون أيضا، ونشأت طبقة جديدة في بغداد اختارت من المذهبين وكونت ما عرف بالمذهب البغدادي الذي أرخه, ووصفه أبو الطيب اللغوي بهذه الكلمات الموجزات:
"فلم يزل أهل المصرين على هذا حتى انتقل العلم إلى بغداد قريبا، وغلب أهل الكوفة على بغداد، وحدثوا الملوك، فقدموهم، ورغب الناس في الروايات الشاذة، وتفاخروا بالنوادر، وتباهوا بالترخيصات، وتركوا الأصول، واعتمدوا على الفروع، فاختلط العلم"1.