ونتقدم خطوة في الزمن فيقص علينا ابن قتيبة أن رجلا دخل على زياد فقال له: "إن أبينا هلك وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا" فقال زياد: "ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك", وأن أعرابيا سمع مؤذنا يقول: "أشهد أن محمدا رسولُ الله" فقال: "ويحك، يفعل ماذا؟ "1.
وأن أعرابيا دخل السوق "فسمعهم يلحنون فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون, ونحن لا نلحن ولا نربح! "2.
وروى الجاحظ أن "أول لحن سمع بالبادية: هذه عصاتي "بدل عصاي" وأول لحن سمع بالعراق: حيِّ على الفلاح "بكسر الياء بدل فتحها""2.
ثم شاع في العصر الأموي حتى تطرق إلى البلغاء من الخلفاء والأمراء كعبد الملك والحجاج, والناس يومئذ تتعاير به، وكان مما يسقط الرجل في المجتمع أن يلحن، حتى قال عبد الملك وقد قيل له: "أسرع إليك الشيب": "شيبني ارتقاء المنابر مخافة اللحن"3. وكان يقول: "إن الرجل يسألني الحاجة فتستجيب