الجاحظ لما عدد مفاخر البصرة على الكوفة قال: "وهؤلاء يأتونكم بفلان وفلان وبسيبويه الذي اعتمدتم على كتبه وجحدتم فضله". ولما اشترى الجاحظ كتاب سيبويه من ميراث الفراء رآه أثمن ما يهدى إلى محمد بن عبد الملك الزيات، فلما دخل عليه وقد افتصد سأله: "ما أهديت لي يا أبا عثمان؟ " قال: "أطرف شيء: كتاب سيبويه بخط الكسائي وعرض الفراء! ". إلى غير ذلك من الأخبار التي إن صدقتها, فدلالتها على العصبية البلدية ظاهرة، وإن ذهبت إلى وضعها أو التزيد فيها فالدلالة أظهر.

لم يختلف نحاة المصرين تبعا لاختلاف سياسة بلديهما، فليس للسياسة تأثير مباشر في ذلك، وإنما كان التكتل استجابة للعصبية ليس غير:

أنشئت البصرة والكوفة على عهد عمر بن الخطاب؛ وانقضت سنون من عهد عثمان والمصران كالبلد الواحد ولبعض القبائل جماعات في كل منهما، فلما كان الشغب أيام عثمان أسهم العراقيون فيه؛ وآلت الأمور إلى قتل الخليفة والفتن المتلاحقة بعد أن انضم البصريون في وقعة الجمل إلى عائشة وطلحة والزبير وانضم الكوفيون إلى علي، وكانت الملحمة بينهما، واستحرَّ القتل، وكان لكل فريق مجزرة هائلة في الفريق الآخر.

فمن ثم العداوة والتخاصم والتنافس بين البلدين. فلما انقضى عهد القلاقل خلف في أذهان الفريقين قصصا وأدبا وشعرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015