عمرو بن العلاء جاور البدو أربعين سنة, ولم يقم الكسائي بالبدو غير أربعين يوما1! بل نقلوا أن الكسائي "حمل إلى الأخفش البصري خمسين دينارا, وقرأ عليه كتاب سيبويه سرا"2.
نعم كان للكوفة سوق أرادوا بها أن تحاكي مربد البصرة وهي "سوق كناسة"، لكن لم يكن لها ذلك الشأن، وهي إلى أن تكون داعية إفساد اللغة أقرب منها إلى أن تكون عاملا في صيانتها؛ لأن الأعراب الذين يؤمونها غير سليمي السلائق.
كل هذه العوامل صرفت الكوفيين إلى رواية الشعر، فذلك هو الميسور لهم، وزعموا أن سبب علمهم بالشعر وسبقهم فيه أهل البصرة: أن المختار بن أبي عبيد لما خرج بالكوفة قيل له: "إن تحت القصر الأبيض الذي كان للنعمان كنزا"، فاحتفر فوجد الطنوج التي كان النعمان أمر أن ينسج فيها أشعار العرب، فأخرجها. قالوا: فمن ثم كان أهل الكوفة أعلم بالشعر، هذه رواية حماد الراوية الكوفي3.
هذا حال من ينقلون عنه من حيث السليقة وسلامة اللغة، وأما الجهة الثانية وهي صدق الراوي وضبطه فلم يعنوا بها؛ ولذا كثر الموضوع المصنوع في أكثر رواياتهم، قال أبو الطيب اللغوي: "الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن