فابن مالك خرج من الأندلس إلى المشرق صغيرا، ولم يذكروا له شيخا في النحو غير الشلوبيني، قالوا: إنه قرأ عليه نحوا من ثلاثة عشر يوما، فلما حل الشام سمع من بعض شيوخها، ولم يجد له أبو حيان بعد البحث "شيخا مشهورا يعتمد عليه؛ لأنه إنما أخذ هذا العلم من خاصة نفسه"1، "وصرف همته إلى إتقان لسان العرب, حتى بلغ فيه الغاية"1.

وأمر أبي حيان قريب من أمر ابن مالك: خرج من الأندلس هاربا في شبيبته وكان قرأ على بعض شيوخها, ثم أتم قراءته وزاول الإقراء في المغرب والمشرق. فإن اعتبرنا الشكل الصوري كان أثر التعليم الأندلسي في أبي حيان قليلا وفي ابن مالك أقل بكثير؛ وإن اعتبرنا الجوهر -وحق اعتباره- وجدنا نحو هذين الرجلين في تواليفهما مشرقيا محضا. أما كونهما ذويْ أثر واسع في النحو وتعليمه في الشرق فهذا صحيح ومرده إلى شخصيتيهما لا إلى أندلسيتهما، فأسلوب ابن مالك في نظم مسائل العلم وشرحها وغيرته المخلصة الحارة في نشره وإقرائه أغريا عصرييه، وكان لهما أكبر الأثر في حياته، فانتفع الناس بعلمه، وما زال الله ينفع به إلى يوم الناس هذا. أما أبو حيان فآثار حواضر المشرق العلمية في كتبه أظهر من أن تخفى.

والشيء الذي يجوز أن يناقش هنا ما ذكروا من أن ابن مالك وابن خروف شرعا الاستشهاد بالحديث الشريف والاحتجاج به في قضايا اللغة والنحو، فخالفا بذلك -زعموا-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015