ويفاد مما سبق أن الأمر في حمل التسبيح في قوله سبحانه في سورة الأحزاب: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً. وسبحوه بكرة وأصيلاً.. الأحزاب/41، 42) على ظاهره بيّنٌ، بل إنه من الوضوح بمكان، فذكر الله يعني "ذكر اللسان وهو المناسب – على حد قول الطاهر – لموقع الآية مما قبلها وما بعدها" (?) ، أما مناسبته لما قبلها فلما ذكرنا، وأما مناسبته لما بعدها فلأن التسبيح وهو إيقاع التنزيه لفاطر السموات والأرض جل في علاه، عن كل شائبة نقص مما لا يليق به بإثبات أضداد ما لا يليق أو نفي ما لا يليق بقول: (سبحان الله) .. هو واحد مما يشمله ذكر الله، والوجه في تخصيصه بالذكر، الإشعار ببيان فضله على سائر الأذكار، لكون معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال، وفي سر تقييده بالغدو والآصال، بيان لفضل هذين الوقتين على سائر الأوقات لتعاقب ملائكة الليل والنهار بهما، ولما يتجدد فيهما من نعم الله الظاهرة، إلى غير ذلك مما سبق ذكره في المبحث الأول.

وهذا التقييد وحده، هو في حد ذاته دليل على حمل المعنى على ظاهره، فما بالك وقد توفرت القرائن الأخرى من خلال السياق على جعله على حقيقته وعلى ما هو الأصل فيه، ويأتي على رأس هذه القرائن تقييد الذكر بالكثرة، وإيثار التعبير بكلمة (الآصال) التي لا يتوسع فيها لتشمل ما تشمله كلمة (العشي) لكونها لا تطلق إلا على ما قبيل غروب الشمس مباشرة، وهو ما لا تصح الصلاة فيه، فذكرها مما يُعد قرينة أخرى تدل على حمل التسبيح على ظاهره وعلى تخصيص الوقتين به، وعلى جعل القول بأن "كلا الأمرين - الذكر والتسبيح- متوجه إليهما- يعني إلى الوقتين بكرة وأصيلاً- كقولك صم وصلّ يوم الجمعة" (?) قولاً بادي الضعف، لذا مرضه أكثرهم بقولهم (وقيل) لأنه تجوز بغير ضرورة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015