والقرآن الكريم أمة وحده في البلاغة العربية، فأردت أن أتبين بعض أسرار سموه، عساى أدرك سبب ما كان له من تأثير في النفوس، وسلطان على القلوب، وقد سرت في دراستى على هذا المنهج الذى تحدثت عنه؛ فقسمت البحث كتابين، خصصت الكتاب الأول منهما بدراسة البلاغة في اللفظ والأسلوب، وخصصت الثانى بدراسة المعانى، فبدأت بمقدمات تمهيدية تحدد معنى الأدب، وتبين ميدان عمله في النفس الإنسانية، وكيف نقرؤه قراءة صحيحة نافعة مؤثرة، وتدرس العلوم التى يحتاج إليها الأديب منتجا أو ناقدا، وتشرح المنهج الأدبى فى القرآن، وتعرض وجوه إعجازه، لبيان الرأى الذى نختاره من بينها، ثم عقدت فصلا لدراسة اللفظة المفردة في القرآن، تناولت فيه كيف تخيرت هذه الألفاظ تخيرا دقيقا، لتدل على معانيها في دقة وإحكام، وكيف تقع الفاصلة من الآية موقع الجزء الذى به تمام المعنى ووفاؤه، وحددت معنى الغريب والزائد وما في استخدامهما واستخدام المعرب من ألوان البلاغة، وفي الفصل الثانى طبقت تطبيقا فنيّا ما وعته علوم البلاغة الثلاثة، متجنبا كل التجنب المناقشات الفلسفية، البعيدة عن روح البلاغة، والتى كانت سببا في وأد الروح الفنى حينا طويلا من الزمن، وتحدثت في الفصل الثالث عن السورة، لتبين منهجها ومدى وحدتها، محللا بعض السور، كى تتضح الفكرة وتنجلى، وختمت الكتاب الأول بفصل عن دراسة أسلوب القرآن، أتبين ما أستطيع أن أتبينه من خصائص هذا الأسلوب، وإنى أقرر أن مثل هذه الدراسة تحتاج إلى المعاودة مرة أخرى، لتعرف ألوان الأساليب القرآنية وتصنيف هذه الألوان، تبعا للمعانى التى تناولتها، لمعرفة خصائص كل لون على حدة، فيدرس مثلا أسلوب السور المدنية، وأسلوب الأحكام، وأسلوب القصص، وأسلوب الوصف، وهكذا، ويوازن بين كل نوع وصاحبه، ومثل هذه الدراسة المجدية تحتاج إلى إنعام نظر، وصبر، وأناة، وطول وقت، مما أرجو أن يوفقنى الله إليه في القريب إن شاء الله.

وخصصت الكتاب الثانى بدراسة بعض المعانى القرآنية، فدرست كيف تناول القرآن هذه المعانى؟ وما الذى عنى به من بين عناصرها؟ وكيف تناول هذه العناصر؟ ليؤثر في النفس الإنسانية، ولم كان هذا التأثير خالدا؟.

والله المسئول أن يوفقنا إلى الصواب، وأن يهدينا سواء السبيل.

حلوان الحمامات في:

4 صفر سنة 1370

14 نوفمبر سنة 1950

طور بواسطة نورين ميديا © 2015