سمعت جدي يقول: كان أحمد من أحب الناس وأكرمهم نفساً وأحسنهم عشرة وأدباً، كثير الإطراق، معرضاً عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بش به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعاً شديداً وكانوا يكرمونه ويعظمونه، قال الخلال: وأخبرني محمد بن الحسين أن أبا بكر المروذي –حدثهم قال: كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جهل عليه احتمل وحلم، ويقول: يكفى الله، ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة فكانوا يجيئون إلى أبي عبد الله فلا يظهر لهم ميله مع عمه ولا يغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكرامة، وكان كثير التواضع يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلسه، مائلاً إليهم مقصراً عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعض العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر يقعد حيث انتهى به المجلس، وكان لا يمد قدمه في المجلس ويكرم جليسه، وكان حسن الخلق، دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، وكان يحب في الله ويبغض في الله، وكان إذا أحب رجلاً أحب له ما يحب لنفسه، وكره له ما يكره لنفسه ولم يمنعه حبه إياه أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظلم وإثم أو مكروه إن كان منه، وكان إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة. وأحب أن يعرف أحواله، وكان رجلاً فطناً. إذا كان شيء لا يرضاه اضطرب لذلك، ويغضب لله ولا يغضب لنفسه فلا ينتصر لها، فإذا كان في أمر من الدين اشتد له غضبه حتى كأنه ليس هو، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان حسن الجوار، يؤذى فيصبر ويحتمل الأذى من الجار ... انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015