عن أبي داود الطيالسي -وهو في الطبقة التي قبل طبقة الإمام أحمد وهي طبقة يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وهما من تلامذة كبار أتباع التابعين وصغار التابعين- قال: سمعت شعبة بن الحجاج يقول: كل حديث ليس فيه حدثنا أو أخبرنا فهو خل وبقل.
وعن حماد بن سلمة قال: جاء شعبة إلى حميد فسأله عن حديث فحدثه به فقال: أسمعته؟ قال: أحسبه، قال: فقال بيده هكذا -أي لا أريده- فلما قام فذهب، قال: سمعته من أنس ولكن تشدد عليّ فأحببت أن أشدد عليك.
فهو شديد الاحتياط للتدليس؛ لأنه كان يعظم أمر التدليس جداً، وكان يقول: لأن أزني أحب إلي من أن أدلّس، فكان يتأكد أن المعروف بالتدليس سمع الحديث فيكتبه عنه، فهو عندما جاء إلى حميد فسأله عن الحديث فحدثه به، فقال: أسمعته؟ قال: أحسبه، فقال بيده هكذا -يعني: لا أريده- فلما قام فذهب، قال: سمعته من أنس ولكن تشدد عليّ فأحببت أن أشدد عليك.
وعن خضر بن زياد قال: رئي شعبة متقنعاً في شدة الحر فقيل له: إلى أين أبا بسطام؟ قال: أستعدي على رجل يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن حماد بن زيد قال: لقيني شعبة بن الحجاج ومعه مدرة فقلت: يا أبا بسطام أين تريد؟ قال: إلى أبان بن عياش أدعوه إلى القاضي فإنه يكذب، فقلت له: إني أخاف عليك عبد القليس قال: فكلمته فانصرف، قال حماد: ثم لقيني شعبة بعد ذلك فقال: يا أبا إسماعيل إني نظرت في ذلك فلم يسعني السكوت.
وعن أبي أسامة قال: وافقنا من شعبة طِيبَ نفسٍ فقلنا له: حدثنا ولا تحدثنا إلا عن ثقة، فقال: قوموا.
وعن يحيى بن سعيد قال: ما رأيت أحداً قط أحسن حديثاً من شعبة.
قال أبو نعيم: سمعت شعبة يقول: لأن أزني أحب إليّ من أن أُدلّس.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: قال شعبة: كنت أتفقد فم قتادة -لأن قتادة مدلّس- فإذا قال سمعت أو حدثنا تحفّظته وإلا تركته.
ولذلك إذا كان شعبة هو الراوي عن قتادة -حتى لو كان الحديث بالعنعنة- فهو محمول على السماع؛ لأن شعبة قال: كفيتكم تدليس قتادة.
وتجدون في البخاري ومسلم بعض الأحاديث يحدث فيها شعبة عن قتادة بالعنعنة -بدون تصريح بالسماع- فمادام الراوي عن قتادة هو شعبة فيكون هذا الحديث قد صُّرح فيه بالسماع، وإن لم يكن في هذه الرواية ففي رواية أخرى.
قال أبو زرعة: سمعت مقاتل وهو ابن محمد يقول: سمعت وكيعاً يقول: إني لأرجو أن يرفع الله لـ شعبة درجات في الجنة بذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو الوليد: قال لي حماد بن زيد: إذا خالفني شعبة في حديث صرت إلى قوله، قلت: كيف يا أبا إسماعيل؟ قال: إن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث عشرين مرة، وأنا أرضى أن أسمعه مرة.
وقال مكي بن إبراهيم: سئل شعبة عن ابن عون؟ فقال: سمن وعسل.
قيل: فما تقول في هشام بن حسان؟ قال: خل وزيت، قيل: فما تقول في أبي بكر الهذلي؟ قال: دعني لا أقيء به.
وقال أبو الوليد: سألت شعبة عن حديث؟ فقال: والله لا حدثتك به، قلت: ولم؟ قال: لأني لم أسمعه إلا مرة.
وقال: شعيب بن حرب: سمعت شعبة يقول: لئن أُقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أحدث عن أبي هارون العبدي.
وقال بشر بن عمر الزهراني: سمعت شعبة يقول: لئن أخر من السماء -أو من فوق هذا القصر- أحب إليّ من أن أقول قال: الحكم بشيء لم أسمعه منه.
قال الذهبي: هذا والله ورع.
يعني: أنه لا بد أن يكون قد سمع الحديث بالتصريح.
وقال عبد الرحمن بن مهدي قلت لـ شعبة من الذي تترك الرواية عنهم؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية ما لا يُعرف، أو أكثر الغلط، أو تمادى في غلط مجتمع عليه، ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه، أو رجل متهم بالكذب وسائر الناس يروي عنهم.
فـ شعبة أول من عدّل -يعني: إمام الجرح والتعديل- ثم أخذ ذلك عنه عبد الرحمن بن مهدي