درر من أقواله رحمه الله: عن عبيد الله بن سعيد قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: احفظ: لا يجوز للرجل أن يكون إماماً حتى يعلم ما يصح مما لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شيء، وحتى يعلم بمخارج العلم.
وعن عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: يحرم على الرجل أن يقول في أمر الدين إلا شيئاً سمعه من ثقة.
وعنه قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم كان يوم غنيمة -يعني: حتى يستفيد منه ويتعلم-، وإذا لقى من هو مثله دارسه وتعلم منه -يعني: كل واحد يتعلم من الآخر-، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه، ولا يكون إماماً في العلم من يحدث بكل ما سمع، ولا يكون إماماً في العلم من يحدث عن كل أحد، ولا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم والحفظ والإتقان.
وعنه قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لولا أني أكره أن يعصى الله لتمنيت ألا يبقى في هذا المصر أحد إلا وقع فيَّ واغتابني، وأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها؟! أي: يجد في صحيفة حسناته حسنات غيره الذين وقعوا فيه قد انتقلت إليه.
وعن أحمد بن سنان قال: سمعت ابن مهدي يقول: لزمت مالكاً حتى ملني، فقلت يوماً: قد غبت عن أهلي هذه الغيبة الطويلة، ولا أعلم ما حدث بهم بعدي.
قال: يا بني! وأنا بالقرب من أهلي ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت.
وعن عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت ابن مهدي يقول: فتنة الحديث أشد من فتنة المال والولد؛ لأن الحديث له شهوة وحلاوة، والإنسان يقول: حدثنا فلان أو حدثنا فلان.
وقال أبو قدامة: سمعت ابن مهدي يقول: لأن أعرف علة حديث أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث.
والعلة هنا المقصود بها العلة الخفية التي تقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر السلامة منها، كوجود راوٍ ضعيف الحفظ مثلاً أو عنعنة مدلس، وأما العلل التي يعرفها طلاب العلم الصغار أمثالنا عند النظر في الحديث فهذه لا تسمى عللاً، وعندما يقول الأئمة: هذا الحديث معلول، لا يشبه حديث فلان، أو: إن فلاناً وهم فيه، فليس معناه أن الإنسان ليس ثقة أو أنه يخطئ، فقد يكون الرواة كلهم ثقات والحديث فيه تصريح بالسماع في كل السند، ولكن تكون هناك علة خفية، لا يقف عليها إلا أهل الشأن، مثل: علي بن المديني الذي كان إماماً في معرفة العلل، وكذلك الإمام أحمد، والقطان، والدارقطني.
فلذلك لو نظر أحدنا في السند فلا يقل: الحديث صحيح حتى ينظر في كتب العلل؛ لأنه قد يكون معلاً، فلعل أحد العلماء أعل هذا الحديث.
والعلامة أحمد شاكر دائماً في تحقيق المسند عن الحديث يقول: إسناده صحيح.
وهذا من باب الورع، فهو يقول: الإسناد صحيح؛ لأن الرواة ثقات والسند متصل، ويقول: حديث صحيح؛ وقال رسته: قام ابن مهدي من المجلس وتبعه الناس، فقال: يا قوم! لا تطئوا عقبي، وتمشوا خلفي؛ حدثنا أبو الأشهب عن الحسن قال: قال عمران: خفق النعال خلف الأحمق قل ما يبقي من دينه.
وهذا من تواضعه.
وقال رسته: سألت ابن مهدي عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه، قال: ما أرى بذلك بأساً، لكن لا يتمناه من ضر به أو فاقة.
يعني: أن الإنسان لو خاف على دينه فله أن يتمنى الموت، ولكن لو أصابه فقر أو مرض لا يتمنى الموت؛ لأنه قد يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلا يدري كيف يكون حاله في القبر وفي الآخرة، فأهل الدين لا يتمنون الموت إلا إذا أصابهم ضرر في الدين، كأن يخافوا على أنفسهم من الفتنة، كما في حديث: (وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)، ولكن أهل الدنيا قد يتمنون الموت لضر أصابهم في الدنيا، وقد جاء في الحديث: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به -يعني: أصابه- ولكن ليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، وقد تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما.